العقد السيكولوجي
باختصار، تخرج صاحبنا بتفوق ومرتبة شرف في أرقى الجامعات وحصل على وظيفة في إحدى الشركات الكبيرة بعقد رسمي مكتوب يحدد ساعات العمل، والإجازة السنوية، والراتب الأساسي، وأي بدلات إضافية، ثم بدأ العمل.
- كانت الشركة تشجع موظفيها على الحصول على شهادات مهنية معتمدة، فكلما زاد عدد الموظفين المعتمدين، ارتفعت مؤشرات الأداء الأساسية للشركة وأصبحت سمعتها أفضل.. كانت الشركة أيضاً تشجع موظفيها لبذل قصارى جهدهم وتقديم المبادرات التي بإمكانها أن ترتقي بأداء الشركة، واعدة إياهم بالتطور الوظيفي والمكافآت المالية. بعد حصول صاحبنا على الكثير من الشهادات المعتمدة والعمل بتفانٍ وتقديم الكثير من المبادرات التي أفادت الشركة.
- قدم استقالته!.. نعم.. بعد كل ذلك، قدم صاحبنا استقالته لأن الشركة لم تف بالعقد السيكولوجي بينها وبينه وانتقل لشركة قدمت له عرضاً وظيفيّاً أفضل! إذاً ما هو العقد السيكولوجي؟.. العقد السيكولوجي «النفسي» هو اتفاق ضمني وتفاهم غير معلن يشكل العلاقة بين الموظفين وأصحاب العمل مؤثراً على توقعاتهم، سلوكهم ومساهماتهم في مكان العمل، ويمكن فهم العقد السيكولوجي على أنه مجموعة من التوقعات والالتزامات المتبادلة غير المكتوبة والتي تنشأ بشكل طبيعي بين الموظفين وأصحاب العمل، بغض النظر عن العقد القانوني الرسمي المكتوب، في حين يحدد العقد القانوني المكتوب الالتزامات القانونية، يتجاوز العقد النفسي تلك الحدود وصولاً للحاجات الإنسانية والنفسية والعاطفية والالتزامات الأخلاقية وتلبية التوقعات.
- بعض ما يتضمنه العقد النفسي مثلاً، الثقة والأمان الوظيفي، فيتوقع أصحاب العمل التزام وجدية موظفيهم طواعية في تأدية العمل، بينما يتوقع الموظفون الحماية من إنهاء العقد أو الفصل التعسفي، ويتضمن العقد السيكولوجي أيضاً توقعات أصحاب العمل بولاء الموظفين المطلق، وحماية ممتلكات الشركة والسعي لكل ما فيه مصلحة الشركة.. بينما تكون توقعات الموظفين متعلقة بالتعويضات والفوائد التي تتجاوز ما هو مذكور في العقد المكتوب، وقد يتوقع أصحاب العمل أيضاً أن يساهم موظفوهم بخبراتهم ومهاراتهم المختلفة ووقتهم لإنجاز العمل بأفضل صورة ممكنة.
- أما توقعات الموظفين فتكون وجود نظام تقييم منصف، ومعاملة عادلة، وزيادات منتظمة في الرواتب ومكافآت وترقيات تعتمد على الأداء الوظيفي لا على العلاقات والمحسوبيات.. يشمل العقد السيكولوجي أيضاً توقعات أصحاب العمل بسعي موظفيهم لتحقيق أهداف الشركة إلى جانب توقعات الموظفين بتحقيق بعض أهدافهم الشخصية خصوصاً المتعلقة بالحصول على فرص متساوية للنمو والتطور الوظيفي.. ويتضمن العقد أيضاً توقعات لإيجاد فهم مشترك لأهمية التوازن بين العمل والحياة الشخصية وفهم مشترك أيضاً لأهمية الحفاظ على كرامة الإنسان وتقدير الحالات النفسية والإنسانية تقديراً سليماً والتعامل معها التعامل الإنساني الصحيح.
- ومن المهم أن نذكر التأثير الكبير للعقد السيكولوجي على كلٍّ من الموظفين وأصحاب العمل على حد سواء، فعندما تتحقق توقعات العقد، يشعر الموظفون بالرضا، فيزداد ولاؤهم للشركة ويرتفع معدل إنتاجهم إضافة لمساهمتهم في بناء بيئة عمل إيجابية، بينما يمكن أن يؤدي خرق التوقعات الضمنية للعقد إلى إحباط الموظفين والتراجع في الأداء وصولاً إلى تسرب الموظفين من الشركة.
- أما إذا تحققت توقعات العقد لأصحاب العمل بعد تلبية توقعات الموظفين غير المعلنة، فإن ذلك يساهم في خلق بيئة عمل إيجابية، ورفع أداء المنظمة وزيادة إنتاجيتها وتعزيز العلامة التجارية للشركة.