القراءة.. تقدم أو تقادم
بين أن تقرأ فتكون مواكبًا لمستجدات ما يحدث حولك في مختلف الأمور الحياتية والثقافية والعلمية وغيرها، أو أن تهجر الكتاب فتتقادم لديك الأفكار ويتوقف الزمن عند نقطة معينة في عالم يعتبر التوقف فيه تخلفًا عن الركب الذي لا يتوقف؛ هي حكاية صراع بين جيلين أحدهما اعتبر القراءة أس الحياة والتقدم فيها، والآخر جعلها في ذيل سلم أولوياته.
فإذا سلمنا بأن القراءة والاطلاع على العلوم الحديثة بمختلف جوانبها هو ما يخلق الفرق في حياة الأمم ويصنفها متقدمة أو متخلفة، فإننا نحن المجتمعات بحاجة إلى أن نعيد النظر في أولوياتنا، وأن يكون للقراءة فيها موقع متقدم. لكن ليس المطلوب أي قراءة، بل القراءة الحقيقية؛ التي تعني فيما تعنيه قراءة الكتب المفيدة «ورقية كانت أو إلكترونية» لا السطحية، وأن يقرأ المبتدئ كتبًا خفيفة أو سهلة التناول، ثم ينتقل إلى ما هو أصعب قليلًا حتى يصل إلى ما يسمى لياقة القراءة؛ كما الرياضي الذي لا يبدأ بممارسة الرياضة الصعبة إلا بعد أن يقوم بتمارين التحمية والتمدد حتى يصل إلى لياقة بدنية مناسبة.
يحتاج الشاب لدينا بعدها أن يلتهم أمهات الكتب في مختلف حقول المعرفة، كالدين والتاريخ واللغة والعلوم الحديثة وغيرها حتى تكون أساسًا صلبًا لقراءاته في مستقبل حياته. فبدون قراءة أمهات الكتب هذه يبقى الشاب وكأنه واقف على أرض رخوة يستطيع أن يمضي في حياته لكن ليس بالجودة التي يمكن أن تمنحه إياها القراءة على المدى البعيد.
إن أخطر ما يمكن أن يصيب الإنسان هو أن يشعر بأن لديه من العلم ما يكفي، في حين أن جميع ما لديه من معرفة عفا عليه الزمن وأصبح متقادمًا خفيفًا تذروه الرياح القوية التي تعصف بالعالم ولا يستطيع أن يصمد أمام المتغيرات التي توازي أو تفوق سرعة الضوء، بحيث تصعب ملاحقة أخبارها فضلًا عن ملاحقة تفاصيلها.
ولذلك نستطيع القول باطمئنان هنا إن القراءة هي ما يصنع الفرق بين التقدم والتقادم في عالم يموج بالمتغيرات المتسارعة، والخيار بأيدينا؛ أن نقرأ فنتقدم.. أو نتوقف عنها فيتقادم كل شيء عندنا.