وجوه لا تنسى: الحاج جعفر محمد آل عبيد ”السخي الكريم“
من عاش ذاك الزمن الجميل ”جيل الطيبين“ فأنه يذكر شخصيات كانت حاضرة بطيب قلبها وبشاشة وجهها ودماثة اخلاقها واحسان يدها، فالكرماء لا تنتهي صورهم ولا ذكرهم فصفة السخاء والكرم صفة عظيمة اذا اتصف بها إنسان، وشخصيتنا لهذه السطور ممن مر في الذاكرة وطبيعي جدا مثل هؤلاء يركزون في فضاءات الاحياء والفرقان والزرانيق من مسجد لحسينية ومن مأتم لدكان عامر بالمؤمنين.
أجل كنت صغيرا وأنا انظر ذاك الرجل ذو الأخلاق الحميدة الحاج جعفر بن محمد بن سلمان آل عبيد صاحب الوالد حفظه الله، ودائما كان يزوره في محله بعد مجيئنا من منزلنا الثاني في حي المقيبري، نجلس ويقدم لنا الشراب ”استكانة شاي أو فنجان قهوة“ والحاج وابي يضحكان ويمزحان وبالتأكيد كانت لي معه لطافة وود لا انساها.
ولد في القديح في 01/07/1344 هـ ، وتربى في كنف ابوين كريمين وكسب منهما التربية الحميدة والاصلاح في الدين والدنيا، فالحاج ابي سعيد من الوجوه الطيبة المحترمة ذو قلب مفعم بالحب يأخذك بالاحضان ودود دائم الابتسامة شفاف تستطيع السبر في تفاصيل شخصيته المسالمة المتسامحة سريعا دون تكلف دون عناء، يحبه كل من جالسه والتقى به محب للصدقة وشأنه الخير للمساكين والمحتاجين ولا يرد احدا خائبا فبابه مفتوح للكل.
في بداية حياته عاش في النخيل وتحديدا في ”شرب الصاغة“ وكان مسكنا له، ثم انتقل إلى الفريق الشمالي بالقرب من حسينية الغضبان، اشترى قطعة أرض مع اخيه تسمى ”المعيمري“ المعامره وسميت بذلك نسبة لتعميرها واصلاحها بالفلاحة، هكذا كان يحب الزراعة ويذوب عشقا فيها.
التحق بشركة الزيت العربية السعودية ”أرامكو السعودية“ بوظيفة كاشير ”محاسب“ لبيع المواد الغذائية قرابة الثمان سنوات ودرس اللغة الانجليزية عندئذ، ولظروف ما انقطع عن شركة أرامكو واشترى قطعة أرض زراعية ”نخل“ بالقرب من عين الحسين بالقديح وسكن بها لفترة من الزمن أكثر من تسعة سنوات
وبعد هذه الفترة انتقل إلى مسكنه الحالي الذي وطد اساسه وبناه الواقع بالقرب من شبرة القديح.
له علاقات حسنة مع الناس رجل مؤمن لبق كريم محسن ذو شخصية معطاء ومثلما يقال ”خدوم“، تزوج في سن مبكر من الحاجة زهراء بنت عبد الله الأصمخ رحمها الله، وله منها اربعة بنات واربعة اولاد الحاج سعيد والحاج موسى والحاج باقر والحاج فاضل حفظهم الله جميعا، واستمر بالعمل الحر وفتح له بقالة لبيع المواد الغذائية ومن ثم غير النشاط لبيع اواني وكماليات منزلية، واغلب جلاسه رجال مؤمنين خيرين، يحب مجالسة العلماء ويقترب منهم ويدعوهم إلى بيته ويقيم مئذبة على شرفهم.
انخرط في حب الحسين من صغره منغمسا في العشق الحسيني مستمعا بكائا ذو عبرة شجية، سار على درب من سبقه لأكمال المسيرة المنبرية واعطاها من وقته وجهده وماله ولم يبخل في بناء أو تشييد أي عمل قوامه احياء مراسيم آل بيت محمد صلوات الله عليهم، يعتبر من المؤسسين للحسينية الشمالية فقد كان ملازما للحاج مهدي الدعيبل رحمهما الله.
كان لزوج اخته الحاج احمد العنكي رحمه الله عادة اسبوعية ”قراءة“ يقرأ فيها الخطيب الفذ اللامع الملا علي توفيق رحمه الله، وبعدما توفي الحاج العنكي استمر الحاج ابي جعفر بالقراءة واخذ على عاتقه ”العادة الأسبوعية“ في بيته المذكور آنف ويعرف ”بمأتم بيت ابو سعيد“ بالخطيب نفسه ولم تنقطع حتى بعد وفاة الخطيب فقد اعقبه غريد الخطباء الخطيب الرائع الملا محمد عبد رب النبي حفظه الله ولا يزال يقرأ المأتم بمعية اولاده.
كما سبق ذكره فانه ممن يلتمس الفقراء وخاصة أقاربه لمساعدتهم وتقديم يد العون لهم سواء بالمادة أو بوجاهته وحب الناس إليه، فصلة الرحم لا تفارقه ابدا فكانت من دعائمة الكبيرة، وهنا ساروي حادثة دون ذكر الاسماء أنه في يوم من الايام توفي احد ارحامه وترك بنتن صغيرتن فتكفل بهن ورعاهن خير رعايه.
للحاج جعفر اتصال مباشر وغير مباشر مع جمعية مضر الخيرية للتبرعات، ووسيط ايضا لتوصيل ما جادت به ايدي الناس، وفي ايام محرم يوزع على غالبية المساجد والحسينيات كراتين ماء ومناديل ورقية اما بنفسه أو يوصي البائع بكمية معينة لكل مأتم، يحب اصلاح ذات البين وشهد له الكثير أنه لا يحب الخصام، يعطي ويجزل العطاء والمساعدة ولا يحب الظهور.
ومن اعماله الخيرة التي تذكر له أنه يعمل في تفصيل الاكفان فحينما يمت شخص يذهب للمغتسل على الفور ويكون مجاورا لأهل المتوفي في سبيل الله دون مقابل، فرحمه الله ابا سعيد رحمة الابرار المنتجبين الأخيار رحمة واسعة وسكنه الله فسيح جناته، رحم الله من قرأ له وللمؤمنين والمؤمنات الفاتحة.