انقطع عن موهبته 35 عاماً.. سعودي يصور تاريخ القطيف
يشّكل الرسام السعودي محمد الجشي بالريشة موروث مدينته المدهش، ويحيي أطوارها القديمة مستنبطاً مظاهرها الثقافية ليؤطرها في لوحاته الزاهية، متصوراً حكايات ”أبو دعيدع“ المشهورة في القصص القدماء التي تخيف الصغار في مزارع النخيل، فيما يلتقط البحّار وهو يصارع الأمواج بحثاً عن اللؤلؤ، وكهل يقلّب سبحته مستغفراً.
ونقل الجشي تراث مدينة القطيف شرق السعودية، إلى حيز التصوير الفني البارع، كان طفلاً يحاكي بريشته الرسوم الكرتونية في التلفاز والمجلات، إلى أن أدرك القواعد المثلى للأجسام والأبعاد والظل والنور، ثم انطلق بعمر الثانية عشرة بعد اكتشاف أهله ومدرسته لموهبته، مستخدماً الألوان الزيتية مع الفرش، واستخراج الألوان ومزجها للحصول على الواقعة بتفاصيلها اللونية والإحساس والضوء والعمق والمنظور.
وفي حديثه مع ”العربية. نت“، أوضح أنه منذ الصغر جذبته المشاهد الواقعية كالبشر وعاداتهم، والبحر، والشجر، والعمران، إلا أن ذلك الفتى اليافع الذي استمر حتى سن العشرين يرسم ويخطط، توقف 35 عاماً بعدها عن مزاولة الفن.
برر الجشي هذا التوقف قائلاً: ”لكل فنان مسيرة تتجدد فيها الرؤى والأفكار، وقد يكون التوقف نتيجة للبحث عن الشيء النادر والمختلف، ومن جهة أخرى الانشغال بالعمل الوظيفي لساعات طويلة لا تسمح بالممارسة بشكل مستمر، لذلك كان الانقطاع لفترات طويلة، الفن والرؤى والتأمل والبحث والتخطيط بالنسبة لي لم يكن غائباً، حضر في الذاكرة والوجدان ومشاهدة التغيرات الحديثة المتسارعة للفنون المعاصرة“.
عاد مجدداً بعد فترة انقطاع ليميط اللثام عن موهبته الرصينة، وذاكرته البصرية متشبعة بالزمن وأشكال المكان، وكافة ما عايشه، وحينما يندفع لخلق تلك المشاهد مجدداً، تفاجئه ذاكرته بتفاصيل وعناصر جديدة تحمل الملمس والضوء واللون.
ويرى أن القطيف واحة ومدينة ذات حضارة منذ آلاف السنين، واستطاعت التميز في العمران والصناعة والترابط والاندماج الاجتماعي. مما جعلها انموذجا متحضراً في العمران الجمالي للمساكن والقلاع والسفن والصناعة والتجارة.
وهو يسعى لتحقيق غايته وجدانياً من خلال سيكولوجية تعابير الوجوه والأثر وعمق الفكرة للقصة، بجانب إتقان أسس تكوين العمل كالضوء المنعكس على الأجسام واللون المنسجم ونسب الفراغ والسيادة.
ويعتقد أن الفنان بخبرته وذكائه يستطيع أن ينقل إحساسه لأداته سواء كانت ريشة أو رقميه، لتكون طائعة له وتنفذ ما يريد، وتستطيع أن تخدم وتقدم روح الفكرة والمشهد، والاختلاف سيكون في المحسوس والملموس.