إما شبيها لك في الخلق أو نظيرا لك في الروح

أتيت لهذه الحياة ووجدت نفسي أنا وأمي وإخوتي في الشارع. لم أرَ غير وجه أمي، التي كانت تكافح ليل نهار لتطعمنا. كانت حياتنا تدور بين البحث عن بقايا الطعام، التي يتركها الناس هنا وهناك، وبين محاولات الاختباء من الكلاب الشرسة أو ذئاب البشر، الذين يريدون بنا شراً.

في الصيف، نبحث عن ظلة تحمينا من حرارة الشمس الحارقة، وفي الشتاء كانت أمي تحاول تدفئتنا من البرد القارص باحتضاننا. كنت صغيرة جداً في السن ولا يزال لحمي طرياً عندما انتظر لحظة ابتعاد أمي واختطفني. أخذني معه للمنزل وأنا في منتهى الخوف والذهول. صرخت واستنجدت لكن لم يسمع ندائي أحد. وجه كاميرا هاتفه تجاهي وبدأ بتصويري. أعطاني بعض الماء ولم أشرب من شدة الخوف.

وضعني في صندوق بلاستيكي شفاف محكم الإغلاق وبه ثقب وهو يواصل التصوير وبدأ برش شيء داخل الصندوق وما هي إلا لحظات حتى بدأت أشعر بالاختناق. تألمت، بكيت، صرخت، توسلت لكن بلا فائدة. مرت حياتي القصيرة جداً أمام عيني بسرعة البرق وكل ما كان يدور في خاطري في تلك اللحظات المرعبة هي تساؤلات كثيرة لكن بدون إجابات. لماذا؟ ماذا فعلت؟ وفي ماذا أجرمت في حقه لكي ينتقم مني بهذه الطريقة البشعة؟ فأنا لا أعرفه أصلاً، حتى أنني لم أصادفه يوماً من أيام حياتي القليلة. هل كان ذنبي الوحيد أن الله خلقني ونفث روحي في جسد قطة؟

قبل أسابيع، انطلق ترند على تويتر غرد فيه الآلاف مستنكرين تعذيب شاب لقطط صغيرة، حيث ظهر الشاب في مقطع فيديو وهو يضع القطط الصغيرة في صندوق بلاستيكي ويحكم إغلاقه، ثم يرشهم بغاز أول أكسيد الكربون من خلال ثقب في الصندوق. واصل الشاب تصوير وتوثيق جريمته البشعة بدم بارد مدعياً أن ما يقوم به هو عمل رحيم، حيث أطلق عليه «تجربة الموت الرحيم».

تلك التصرفات ليس إلا مؤشراً خطيراً على وجود اعتلالات أخلاقية ونفسية في فئة مريضة من الناس إذا لم تجد حيواناً لتعذيبه، فلن تتردد لحظة لتعذيب مَنْ هو أضعف منها من بني جنسها في سبيل الحصول على تلك المتعة المرضية لهم. عندما نتحدث عن حقوق الحيوان فذلك لا يعني تقديمنا لحقوقهم على حقوق الإنسان، الذي خلقه الله وكرمه بالعقل والإدراك وسخر له الكون كله، لكن الله خلق جميع الكائنات والأرواح وبقدرته ومشيئته نفخ أرواحنا في أجساد بشر وهم في أجساد حيوانات ولولا رحمته بنا لكان العكس.

لقد نشأت في منزل مليء بالقطط والطيور وأسماك الزينة وتعلمت أن الحيوانات نقية بريئة يمكن التنبؤ بتصرفاتها، فهي تتصرف بحسب غرائزها، إذا خافت تهرب أو تدافع عن نفسها، وإذا جاعت تبحث عما يكفيها. ليست أنانية ولا متطلبة كل ما تحتاجه هو أكل ومأوى وقليل من الحب والاهتمام أو فقط أن نكفيها شرنا وندعها تعيش بسلام. ليست خبيثة ولا ماكرة وليست لديها عقدة الأنا المتضخمة أو عقدة الإحساس بالنقص. خلق الله الإنسان وأوجد له الرزق والمأوى وخلق الدواب لتساعده في حياته ولتحميه ولتحمله في أسفاره وتنقلاته ولم ينسَ سبحانه حتى ما من شأنه تسليته كالحيوانات الأليفة والطيور الناطقة فقط، وكل ذلك فقط لتمكينه من القيام بدوره في إعمار الأرض وترسيخ معاني الخير والرحمة وعبادة الله وحده لا شريك له.

كاتبة صحفية