وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ
هذا جزء آية من سورة هود، ولكنه يصلح أن يكون منهج حياة إذا دققنا النظر فيه وفي ما يمكن أن يكون له من تطبيقات في حياتنا. جاء جزء الآية هذا كجزء من جواب طلب يعدُ به الله تعالى المستغفرين ربهم التائبين إليه، وهو لا يخلف الميعاد.
ومن باب التخلق بأخلاق الله تعالى كان ينبغي على التالين لكتابه الوقوف طويلا عند هذا المقطع من الآية، وملاحظة واقعهم العملي ومدى انسجامه مع روح هذا النص الرباني العظيم الذي يلحظ وجود التفاوت في الفضل بين الأفراد، وأن مقتضى العدل أن يؤتى ذوو الفضل ما يناسب فضلهم، لا أن يتساووا مع الآخرين من هذه الجهة. وذلك أمر يقره العقل، لأن إغفال ما لذوي الفضل من فضل غمطٌ لشيء من حقهم.
ولا شك أن إيتاء ذي الفضل على مقدار فضله يتطلب أولا معرفة الفضل ذاته وفق معايير دقيقة يمكن من خلالها تمييز الفضل نفسه، ثم ثانيا معرفة مقدار الفضل باستخدام موازين ذات حساسية عالية تكون أقرب للعدل، وبالتالي يمكن معرفة ذي الفضل من غيره، والاعتراف له بفضله، ثم إيتاؤه ما يستحقه.
هذا على المستوى النظري، أما على المستوى العملي التطبيقي، فإن الملاحظ لواقع الحال لا يجد الأمور منسجمة مع إشراقات هذه الكلمات النورانية، الأمر الذي يتسبب في الكثير من الآثار السلبية والخسائر على أكثر من مستوى.
فحين نختلف مع شخص ما، فإننا نادرا ما نحاول اكتشاف ما لديه من فضل، فنؤتيه فضله ذاك، بل قد نراه غير أهل لأي فضل: «وَلا تُؤْمِنُوا إِلاَّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ» فيكون جل تركيزنا على ما نظنه هفوات أو عثرات في تفكيره أو منهجه أو خطابه أو سلوكه، لتأتي النتيجة صورة ناقصة محكومة بالانحيازات. وفي ذلك خسارة أيما خسارة.
وحين لا يتم التعرف على ذوي الفضل في كل مجال من المجالات وتقديمهم على من سواهم فيه، تتخلف المجتمعات والمؤسسات، وتنضب دماء التجديد في عروقها، وتأسن مياهها.
وحين يجد المتميزون أنفسهم، في أحسن الأحوال، متساوين مع غيرهم ممن هم دونهم في الكفاءة والفضل، سيصابون، إلا من عصم الله، بالإحباط، وينعكس ذلك على عطائهم كما ونوعا، بل قد يؤدي إلى انكفائهم أو انسحابهم من المشهد بالبحث عن التقاعد من العمل الوظيفي أو الاجتماعي، أو اختيار الانتقال لمكان آخر يتوقعون فيه الالتفات لما لديهم من فضل، فيخلو منهم مكان كان أحرى به احتضانهم وإثراء نفسه بهم.
«إيتاء كل ذي فضل فضله» قاعدة يمكن إعمالها في جوانب الحياة المختلفة؛ سواء على المستوى الأسري أو الاجتماعي أو في المنظمات العامة وغيرها. بل يمكن أن يُعمل بها على المستوى الفردي الشخصي، فقد يقال بأن العقل على سبيل المثال ذو فضل كبير على الإنسان ذاته، ومن ثم فإنه يستحق مزيدا من الاهتمام والعناية به.
إن إعمال هذه القاعدة سيجعل الحياة مكانا للتنافس وإطلاق الطاقات وتقدير ذوي الكفاءات والتخصصات والعطاء والإبداعات. وبرغم أن بلوغ ذلك ليس بالأمر اليسير، إلا أنه يستحق شرف المحاولة تلو المحاولة.