ماذا بعد شكري؟!
شكري صالح، العبد الشاكر الصالح الذي اختار أن يكون شهيد الموقف والكلمة الأول في قريتنا أم الحمام. كل من جمعته وإياه علاقة كان يذكر خصاله الحميدة من أخلاق رفيعة وتواضع جم ورغبة جامحة لخدمة الآخرين وقدرة على تحمل المسؤولية بفاعلية وحماس. لقد أجمع الجميع على حبه، وهذه نعمة كبرى لا ينالها كل أحد، ولذا حظيت جنازته بالتشييع المهيب وحظيت مجالس الفاتحة على روحه بالحضور المكثف من مختلف شرائح المجتمع وأبناء الوطن.
شكري صالح نموذج فذ ووسام شرف تتقلده قلوبنا قبل صدورنا، شكري صالح ضميرنا البارز العصي على الاستتار في أوج يقظته وطهارته. شكري صالح سؤال كبير بحجم دمه يلح علينا لتحرير إجابات شافية وافية قائلا: ماذا أنتم فاعلون بعدي؟! أرجو أن يكون دمي نقطة تحول في حياتكم، وأن تبدؤوا فورا بإطلاق المبادرات الخلاقة لتغيير المجتمع ليعود كما كان آمنا مطمئنا خاليا من مظاهر العنف وطاهرا نقيا من كل ملوثات البيئة الاجتماعية والأخلاقية.
شكري صالح لم يمت، ولذا سيظل يمطرنا بأسئلته واقتراحاته فاعلا متفاعلا كعادته، مصرا على أن يكون له الدور الريادي في إحداث التغيير الإيجابي. ربما يقول لنا:
- لقد قتلت في شهر محرم الحرام، بعيد عاشوراء سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام، حيث كانت المنابر والفعاليات والشعائر الحسينية في ذروة مواسمها كما وكيفا، فلماذا حدث ما حدث؟! هل هو قصور في الخطاب أم أن المعني بالخطاب لم يصله الخطاب أصلا؟! أيا كان جوابكم، فالمسألة تحتاج لمراجعة نقدية شفافة.
- أين الأخصائيون الاجتماعيون والنفسيون والتربويون مما يحدث؟ لماذا لا يزال حضورهم الاجتماعي دون المستوى المأمول؟ هل ينتظرون من يعطيهم الدور وهم يعلمون أن الأدوار تؤخذ ولا تعطى؟
- أين برامج الهيئات الدينية العاملة التي تستطيع استيعاب الطاقات الشابة وتوجيهها؟ ولماذا لا تتعاضد جهودها من أجل الهم الواحد والمصير المشترك؟ ولماذا لا تطور أساليبها؟
- أين الآباء والأمهات مما يراد بأبنائهم وبناتهم؟ لماذا يلقونهم من حيث لا يشعرون في يم بل محيط الفضائيات والانترنت وأصدقاء السوء ثم يحذرونهم أن يصيبهم بلل وهم يغرقون؟
- لماذا هذه العلاقة الباردة دائما بين البيت والمدرسة؟ بعض الآباء والأمهات لا يعلمون في أي صف يدرس أولادهم، ولا يكلفون نفسهم عناء السؤال عن أحوالهم العلمية والسلوكية.
- لماذا العلاقة المأزومة غالبا بين الطالب أو الطالبة من جهة والمعلم أو المعلمة من جهة أخرى؟ ولماذا كادت تغيب الرسالية من مهنة التعليم؟
- لماذا لا يكون للنادي الدور المميز في تصريف طاقات الشباب وصقل مهاراتهم ونموهم المتكامل الجسدي والنفسي والعقلي.
- ما الذي حدث لمجتمعنا حتى أصبح يقترب من حالة التطبيع مع كثير من الظواهر السلبية من سرقة وسطو وتفحيط واستخدام للسلاح الأبيض وغير الأبيض والخطف والتحرش والاغتصاب؟ لماذا أصبحنا نردد معزوفة الهروب من المسؤولية التي لا تكتفي بالهرب من المنكر بل تطبل له أيضا : (ابعد عن الشر وغني له)
- أين الجهات الأمنية المسؤولة عن حفظ أمن المواطن، ولماذا يئس الناس حتى من الإبلاغ عن حالات السرقة أو الاعتداء التي يتعرضون لها، لأنهم يشعرون أن لا فائدة ترجى؟
أعلم أن لدى شكري الكثير من الكلام، ويطلب منا الكثير من الفعل، فهل سنكون عند حسن ظن دمه؟!