الأصل

جذورها قد امتدت إلى أعماق أعماق الأرض وأغصانها تسامرت مع السحاب , راسخة رسوخ الجبال , ثابتة ثبوت السماء , لهيب الشمس لم يصهرها , وقوة الرياح لم تقلعها وغزارة الأمطار لم تذيبها , بل ازدادت تمسكها بتربتها , وبرودة الليل أضاف لحسنها وجمالها إشراقت البهاء , وثمارها المتدلية وأوراقها الخضراء المتناثرة من غصونها وعبق أزهارها المتفتحة لم ينسي لحاؤها أصولها ووالدها الذي افتقدته منذوا الصغر .

رغبتها واحتياجها العاطفي للوالد الأبر , دفعتها إلى الأمام ولم يتسرب الملل أو اليأس إلى أغصانها , صعدت أعالي الجبال وزارت كل حديقة وبستان وسألت كل الأشجار وخاطبت الفراشات وجرى الوادي بين السهول بحثًا عن خطوات والدها . رفعت ذيلها وأبطأت الخطوات حتى لا تدمي الصخور جذورها وتوقف تمايل أغصانها وفاحت رائحة عطر الزهـور خفيفـة وقالـت أنا والـدكِ لتنثر العطر بسـرعة وبكل قوة والدي وتحمل العتاب واللـوم بين روائـح عطرها , ويتعانقان طويلًا وكل ورقة فيها ألف سؤال وحملت الورود عطر ألم السنين , وحفرت على الجذور قسوة الطريق , وسجلت الأغصان الأحداث في لب الثمار , لتزقزق الألحان عن ثمارها لتكوي بها لحاء والدها العاجز عن جمع أنينها . واهتزت ذرات الندى في الهواء , وتطايرت في الفضاء , ونزلت على الأوراق وأجهدت الأزهار ونثرت عبقها لتحتوي كل قطرات الندى .

قطرت داعبت الأغصان عن استحالت البقاء معًا فقدرها حرمها من أصلها الذي تنعم بأحضان الرمال .