سوء الظن: رذيلة أم من المحرمات؟!
بدءا من حظوته بالتعددية في الاصطلاح وانتشاره في العلوم، جاء العرض الخطابي لسماحة السيد مجاهد الخباز «دامت توفيقاته» مساء الأمس السبت، الموافق: 3 محرم 1439هـ، حول مذمومية سوء الظن في بيان أخلاقي له بعنوان: مرض سوء الظن بالآخرين - أسبابه وعلاجه. عارضا في أول المقال تسمياته بحسب علمي الأخلاق والنفس، وعارجا بعد ذلك على الاتفاق مع جمهوره على تسميته بمرض سوء الظن في هذا المقام. مردفا ذلك بتعريفه بالاضطراب النفسي الذي ينتاب البعض فيصيبهم بفقدان الثقة وسيطرة الظنون والسيناريوهات السيئة وانشغالهم اللا مسؤول بالنوايا والمقاصد من دون وجه حق.
وفي معرض شرح السماحة للأعراض وتدعيمها بالحكايات العرفية، أشار إلى بذرة الإصابة بهذا المرض المذموم، وهي الانغماس في التحليلات الذهنية للنية، والتي من شأنها تصعيد حالة الإصابة إلى مرحلة الشك ومن ثم الحكم بالسوء على مقاصد الناس ونواياهم مما يُرى منهم ولا يُرى. ولهذا علامات وتوابع ذكرها وساق في شرحها وبيانها مما هو دارج في الأعراف ودائر في المجالس. مفصلا بعد ذلك خطابه بتصنيف الإصابة بهذا المرض إلى نوعين، أولها: نفسي مضمر، وثانيها: ظاهر في الخارج على هيئة سلوك غير حميد، مبينا الحكم الشرعي لهذين، فالأول: رذيلة دون الحرمة، والثاني: محرم شرعا بحسب الثقلين.
أما بخصوص كلمات المعصوم التي تحث على سوء الظن في زمان الفساد فبيانها قائم على المعرفة بفقه الروايات كونها الموضحة للمقاصد والمرادات، فتلك العبارات الواردة في الروايات الشريفة قاصدة في انتظامها الاحتياط والاحتراز والحذر، وليس سوء الظن كما يظهر من لفظه وما يعنيه عرفا. منبها سماحته - نفسه والآخرين - على خطورة شيوع سوء الظن وتغلغله في أعماق النفس الإنسانية؛ وذلك لانعدام سقفيته، وجره المؤمن لكثير من الشرور والمعاصي، فضلا عن غرقه الاجتماعي من نواح عديدة: كتأزم الوضع الأسري لديه وخسرانه الأصحاب والخلة وشائكية انفتاحه على المجتمع وقطعه الأرحام ومنعه الحقوق وعقه الوالدين، وغيرها مما يصل به إلى حد عزلته وانفراده بظنياته وسوءاتها. موردا - على سيل المثال والشاهد - الكثير من الأقصوصات والأمثلة.
فجاء ختام البحث أن يرجع الإصابة بسوء الظن إلى مراجعها، والتي أحدها: عضوي، متعلق بزيادة مادة في الفص الأمامي من الدماغ بحسب دراسات مختصة، وثانيها: بيئي، وله أوجه: كحالات التعنيف والحرمان وفقد الثقة بالناس، والعيش في أجواء السوء والرؤية السوداوية وضبابية الأحكام على الآخر والمجتمع والحوادث المحيطة إلى حد الإجحاف، ومثل ذلك التشاؤمية وممارسة دور المضطهد وخوض التجارب الاجتماعية العسيرة التي من شأنها إفقاد الشخص اجتماعيته، وحرمانه لنفسه من أية كرة أخرى مع المجتمع، الأمر الذي قد يصل بالممارسات التربوية أن تنتكس - من حيث يشعر المربي أو لا يشعر - فيربي على سوء الظن بدل حسنه وأحسنيته.
مرشدا «حفظه الله» - في ذيل ذلك - المصاب إلى العلاج الناجع بإذنه تعالى، والذي مفتتحه: الدعاء، كما في مكارم الأخلاق «وانته بنيتي إلى أحسن النيات»، ومن ثم التمرن على تطبيق قاعدة تبديل الأدوار، والالتزام بالإعذار، واحتمال الخير ولو بنظام حساب الاحتمالات مع تقييد التعامل مع الناس بظاهرهم بعيدا عن بواطنهم وفضلا عن نواياهم. كما حث أصحاب المصاب على محاورته دون مجادلته أو مجاراته ليوفقوا أن يكونوا مساهمين في علاجه وعودته إلى السلامة النفسية المنشودة.