لكل موقف مآل
لعلنا في كل يوم نجتاز امتحانا أو أكثر لاتخاذ موقف معين من قضية أو مشروع أو أطروحة فكرية مستجدة أو غير ذلك. ومن ثم يتباين الناس في مواقفهم بين اللامبالاة والمشاركة بدرجاتها واتجاهاتها المختلفة. قد يشارك البعض إيجابيا، بينما يشارك آخرون سلبيا. وقد تقتصر المشاركة على مجرد كلمة محفزة أو مثبطة، وقد تتخذ شكلا أعمق من خلال الدعم والتأييد بالمال أو الجاه أو الوقت أو الجهد، أو من خلال المناوأة والتوهين بنفس تلك الوسائل. فالمشاركة أو ما تسمى الشفاعة بحسب المصطلح القرآني، قد تكون في الخير وللخير، وقد تكون في الشر وللشر. كما أن موقف اللامبالاة يعتبر في حد ذاته مشاركة في كثير من الأحيان، فالصمت ليس في كل المواطن حكمة.
القرآن الكريم قسم الشفاعة الموقفية إلى حسنة وسيئة، وأوضح أن لكل واحدة منهما آثارها التي لا تنفك عنها، مما يضع مسؤولية كبيرة على الإنسان لاختيار أي من الشفاعتين في المواقف التي تتطلب ذلك. يقول تعالى: «مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً».
الشفاعة الموقفية، إيجابية أو سلبية، تجعلك شريكا في الموقف، فينالك منها نصيب أو كفل بحسب الآية المباركة. وقد ورد عن النبي قوله: «من أمر بمعروف أو نهى عن منكر أو دل على خير أو أشار به، فهو شريك، ومن أمر بسوء أو دل عليه أو أشار به، فهو شريك».
الشفاعة، كما يقولون، هي ضم شيء إلى شيء تقوية له ودعما وإسنادا من أجل إيصاله لمطلوبه. والإنسان، من منطلق وعيه وإرادته، يمكنه أن يوجه شفاعته ويضمها لجانب الخير والبر والمعروف، أو لجانب الشر والسوء والمنكر، ومن ثم يتحمل النتائج المترتبة على شفاعته، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر. فكل امرئ وما اختار.
من الجدير بالذكر الإشارة إلى أمر استوقف المفسرين في الآية المذكورة، وهو الفرق بين النصيب والكفل. وفي هذا الصدد نذكر ثلاثة آراء:
الأول: ما ذكره صاحب تفسير «مفاتيح الغيب» حيث قال:: الكفل اسم للنصيب الذي عليه يكون اعتماد الناس، وإنما يقال كفل البعير لأنك حميت ظهر البعير بذلك الكساء عن الآفة، وحمى الراكب بدنه بذلك الكساء عن ارتماس ظهر البعير فيتأذى به، ويقال للضامن: كفيل. وقال عليه الصلاة والسلام: «أنا وكافل اليتيم كهاتين».
فثبت أن الكفل هو النصيب الذي عليه يعتمد الإنسان في تحصيل المصالح لنفسه ودفع المفاسد عن نفسه، إذا ثبت هذا فنقول: «وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها» أي يحصل له منها نصيب يكون ذلك النصيب ذخيرة له في معاشه ومعاده، والمقصود حصول ضد ذلك «فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ» والغرض منه التنبيه على أن الشفاعة المؤدية إلى سقوط الحق وقوة الباطل تكون عظيمة العقاب عند اللَّه تعالى.
الثاني: ما ذكره صاحب تفسير «مواهب الرحمن» حيث قال: والنصيب والكفل بمعنى واحد، وهو الحظ. وقيل: إنّ النصيب هو الحظّ المنصوب، أي: المعيّن فيشمل الزيادة، والكفل هو المثل المساوي أو الحظ الّذي فيه الكفاية.
وإنّما ذكر النصيب في الحسنة لأنّ جزاء الحسنة يضاعف، وذكر الكفل في السيئة لأنّ من جاء بالسيئة لا يجزى إلّا مثلها، فتكون الآية المباركة إشارة إلى لطفه عزّ وجلّ بعباده.
الثالث: ما ذكره صاحب تفسير «البحر المحيط» حيث قال: وغاير في النصيب فذكره بلفظ الكفل في الشفاعة السيئة، لأنه أكثر ما يستعمل في الشر، وإن كان قد استعمل في الخير لقوله: «يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ».