قوة التحدي الصادق
كلما كان الإنسان على يقين من ربه، كان توكله عليه أشد وأقوى. وكلما قوي توكله على الله، كان أكثر صلابة في مواجهة التحديات المحيطة به، أيا كان مصدرها، لأنه مطمئن تماما إلى «أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا».
كانت عاد - وهم قوم نبي الله هود - ذات مواصفات استثنائية بحسب ما تحدثت عنه الآيات الشريفة، حيث ذكرت عنهم التالي:
1 - التفوق الجسماني: «وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً».
2 - التفوق العمراني: «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ. إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ. الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ» إذ يظهر «أن إرم كانت مدينة لهم معمورة عديمة النظير ذات قصور عالية وعمد ممددة».
3 - الوفرة الاقتصادية والسكانية: يقول تعالى: «وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ. أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ. وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ».
ولكنهم لم يستثمروا قدراتهم وإمكاناتهم في وجهها الصحيح. بل على العكس من ذلك؛ حملهم غرور القوة على البطش والتنكيل بالآخرين من منطلق الاستكبار. يقول تعالى عنهم: «وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ» ويقول: «فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً» ويقول مؤنبا إياهم على ما آل إليه معاشهم من حياة عبثية مترفة مشغولة بالملذات والملهيات، كما قال تعالى: «أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ. وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ» فالمصانع تعني على ما قيل القصور الفخمة.
عمل نبي الله هود بكل طاقته ووسعه على إعادتهم إلى جادة الصواب، وخاطبهم بلسان الناصح الأمين قائلا: «يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ. يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ. وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ». ولكنهم قابلوا دعوته باتهامه بالسفاهة والكذب وأنه شخص ممسوس، كما قال تعالى على لسانهم: «إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ» «إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ».
في سياق رده على اتهاماتهم الباطلة، وخصوصا ما نسبوه إليه من أن آلهتهم أصابته بسوء؛ أطلق أعظم تحدٍّ في وجوههم، فقال بكل قوة وثقة واطمئنان: «إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ. مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ. إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ».
وهنا نتساءل: كيف يمكن لشخص مفرد أن يواجه تلك القوة العاتية متحديا إياهم جميعا، هم وآلهتهم، أن يمسوه بسوء، وطالبا منهم أن لا يتأخروا في فعل ما يستطيعون من كيد: «فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ».؟!
الجواب هو في قوله صادقا: «إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم».
لقد أطلق نبينا تحديا مماثلا في وجه أعدائه من عتاة قريش ومردتها. يقول تعالى لنبيه : «قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ. إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ».
إن قوة التحدي الصادق مصدرها دائما هو القوي العزيز الذي من توكل عليه حق التوكل أحسبه وكفاه: «أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ».