أعمل بشرف ولا أبيع الشرف !

 

من رجله بالماء لايشعر بالنار .. هكذا بدأت شكواها بعد أن اتصلت أختنا المواطنة لتقدم صرختها أمام القراء ، حيث سألتني بصوتها البكاء : أنت الصحفي ؟ وما إن نطـقت ، لم تعطيني فرصة للكلام وقاطعتني مدوية بأسمها وبأسم كل بنات جنسها : نحن نريد أن نعمل ونكد ولا نبيع شرفنا ! وأذكر عني ماقيل  : إذا دخل الفقر بيتاً ، دخل معه باب للفساد والرذيلة ، وربما أنتشر هذا الباب بين أسر وعوائل المجتمع .

ولسان حال الشاكية يقول : أشكر وزير العمل السعودي على المضي قدماً في توظيف السعوديات ، وهذا وجدناه ولمسناه في بعض الشركات الأهلية ومؤسسات البيع بالتجزئة ، لكن عجلة نسونة الوظائف السعودية تسير ببطء! وتحتاج إلي تـفعيل ودفع أكثر من لدن حكـومتنا الرشيدة حفظها الله ، وكوني مواطنة من أسرة فقيرة ومحتاجة و( رجلها بالنار ) ، وعندها شهادة دبلوم وعالة على إخوتها ، وتنتظر الطلاق أو الـُخلع من زوج لايرحم ومتلاعب أمام المحاكم ، وبأسمي وبأسم الكثير من بنات وطني ، أقترح عمل مكتب توظيف نسائي بالشركات الأهلية والمؤسسات الكبرى شبيه بمكتب ديوان الخدمة المدنية .. إختصاراً للوقت والوجهد ، وللمضي قدماً نحو توظيف المواطنات المحتاجات ، ومحاربة الفراغ والفساد ولمنع إستغلال الفتيات ، وأن تكون تلك الوظائف متوافقة مع عادات وتقاليد المجتمع وتستثنى المحلات المزدحمة بالرجال ..

وأتمنى من لديه معارضة ومعطل لديه جرس التفكير، أن يأخذ جولة بأسواق مدن مملكتنا الغالية ويمعن النظر ، سيجد الألاف من شركات التجزئة، وخاصة بالمجمعات الكبيرة ،  والتي معظم زبائنها من النساء أو ربما الكل ! ، فإنه سيجد المحاسبين الأجانب بعشرات الألوف ! إن لم يكونوا بالمئات ! والذين أحتلوا وهيمنوا على وظائفنا بدم بارد ، ويحولون الأموال المليارية شهرياً إلي أوطانهم ، وعيوننا تستنكر بالدموع !

صحيح ُطبقت سعودة النسونة بوظائف الأمن ببعض الأسواق ، لكن سيدي الوزير هذا ليس سقف إنتاجنا وعطائنا نحن السعوديات ! فمازالت الكثير من الوظائف تنتظرنا وهي مناسبة لنا ، وخاصة المحاسبة ( الكاشيير) وأعمال الترتيب والتنظيم والتسويق داخل السوق ، وبما إن الأسواق الكبرى كثيرة ، وتعتبر مكان عام وفي وقت أمان ، فالعاقل يقول إنها مناسبة للنسونة بدون أدنى شك ، وأفضل من الوظائف التي بها خلوة وغفلة ببعض مباني الشركات ! ونحن على أستعداد على أن نعمل بالوظائف التي ذكرتها سابقاً، فالكثير منا يحمل الشهادات واقادرات على التأهيل لتلك الوظائف بعد التدريب ، وبأسرع وقت ، والأهم الإرادة والظروف الصعبة التي تدفعنا نحو تسريع عجلة السعودة ..

ولا ننسى إن الإسراع في توظيف وتفعيل الوظائف المناسبة لبناتنا ، سيفوّت الفرص لضعاف النفوس والذئاب من الرجال في إستغلال بعض الثغرات لأصطياد المحتاجات  للمال وذوات العوز والفاقة ، وهذا ماحصل لي بعد أن وجدت إعلانا بصحيفة توزع مجاناً يعرفها الجميع ، وقد كتب مانشيت بزاويتها يقـول ( وظائف للسعوديات بشركة إتصالات كبرى ) ، وبعد أن تم الإتصال ، وبان شفق الأمل من خلف سحب العمل ، أدعى الذئب البشري إن لديه مكتب بالعمارة الفلانية لإستقبال المتقدمات ، وبالطبع ذهبن الفتيات لعمل المقابلة الشخصية ، وبالتأكيد أنا في مقدمتهن ، ومعظمهن أتين مع أولياء أمورهن أو مع محرم ، وهذا ما فعله أخي الكريم ..

وبعد وصولنا للمكتب المذكور، فوجدنا لوحة صغيرة كتب عليها ( وظائف بعقد مقاول مع شركة إتصالات كبرى ) ، وداخل المكتب مدير وسكرتير فقط ، فأستلم السكرتيرملفات المتقدمات وأشترط عدد صورتين شخصية لهن ، وعمل مقابلة مع المدير لكل فتاة في جو من الرومانسية ! إذ الفواحة العطرية طيبت مكتبه ، والموسيقى الهادئة والأنوار الخافتة زادته لهيباً ، فظهرت لدينا علامات الشك والريبة .. إذا وجدناه يتمعن بالفتيات بدقة وكأنه يريد أن يخطبهن ، وأخذ أرقامنا وعناويننا مع صورنا طبعاً ، ووعدنا أن يتصل بنا بعد أيام فقط ..وبعد مضي أسبوع تقريباً ، أتصل بي عدة مرات بالجوال ، وأثناء الأتصال خرج أكثر من مرة عن موضوع التوظيف والسؤال عن أشياء خاصة ، وبعد فترة وجيزة بان عن أنيابه النجسة ، فعرض علي أولاً وظيفة سكرتيرة ، ثم ألحقها ببدء الصداقة ، والخروج معه وإنه مستعد أن يدفع مبلغ من المال !

الحمد لله نفذت بجلدي ، ونال المدير النصاب منا ما يستحق من الشتم واللعن والشكوى ، لكن السؤال هنا وهو الأهم من المهم :  لماذا نترك مجالاً للمتربصين كي يعبثوا ويصطادوا في الماء العكر؟  ولماذا نترك لهم المجال كي يضعـوا شباك للسعوديات بحجة الوظائف ، وأصحاب الغيرة في صمت مطبق !  فـربما وقعت هذه الفتاة أو تلك في شباكهم ، ومادفعهن إلي ذلك هو الحاجة والفقر الملعون ! وسكوت المسؤولين عن تفعيل التوظيف والسعودة بسرعة ، ولو توفرت أبواب تنـقذهن من براثن هؤلاء ، لما لجئوا إليهم ..

فأرجوك سعادة الوزير ومن باب الغيرة والحمية والأخلاق ، فكلنا بناتك وأخواتك ، أن تعجل وتفعل ماوصى به والدنا خادم الحرمين الشريفين من توظيف السعوديات ، فإن ُطبق نظام حافز فهو حافز لنا مؤقتاً حتى تحين الوظيفة الدائمة ، ومجتمعنا لن يقوم ويتقدم إلا بمدى حركة ودعم مسؤوليه الكرام ، وعصامية ومثابرة أبنائه الشرفاء وبناته العفيفات .. ولا ننسى ما أوصانا به ديننا وشرعنا الحنيف ، وهو أن نعمل بشرف ولا نبيع الشرف .

روائي وباحث اجتماعي