إلى من لا يهمه الأمر!!

 

يستبطنُ الصبرُ سلوكاً يتمرغُ سراً في قسوة ومرارة لا يعرفها إلاّ من صارع نوباتها المتكررة، وتتعدد أوجه الصبر وميادينهُ ودوافعهُ من شخص لآخر، فلكل إنسان سواء كان يتصف بالحكمة أو بالعجز، مسلكاً نحو إرتقاء حصون الصبر رغم الصعوبة البالغة التي تنطوي عليها، ولكن ما العمل إذا كان لا يوجد أمام المُبتلى غير الجلوس في محطة الإنتظار" لعلّ الله يحدث بعد ذلك أمرا" متوسماً أن تبتسم الأيامُ لمن ضاق ذرعاً حتى بذاته التي ليس له إنفكاكاً منها ولو بالخلاص.

كثيرٌ من الناس يعانون من فلول الأحداث المنفلتة نحوهم في جنون من كل إتجاه، يحاول بعضهم أن يستعير طبيعة الإسفنج لتعزيز قدرته على إمتصاص قوة الإرتطامات، والتخفيف من عمق الصدمات، أحياناً عن طريق إتباع إستراتيجية التجنب والتجاهل، وفي أحيان أُخرى يعمد قهراً إلى أن يتسلّق إستراتيجية المواجهة فلا يلبث أن يكتشف هوان عزيمته، وقلّة حيلته، واهتزاز بصيرته في مقابل من لا يوجد لديه شيئاً يخسره، فلطالما تعوّد على النقاشات البيزنطيّة وأصبحت جزءاً لا ينفك عن صيرورته الإجتماعية، وطبيعته التفاعلية.

يلجأ للصمت حيناً، ويبادر للحديث حيناً آخر، وبين الصمت والحديث ظلالٌ وأطياف، يحاول الإنتقال بذاته المُتبعة من فرط الإنتظار والترقُب من محطة لأخرى علّه يصادف من يتقبل أفكاره، وينسجم ولو بالندر اليسير من رؤاه، فيرتد مكسوراً إلى نقطة البداية ويضربُ بكفيه خمساً على خمس أسفاً على الوضع الذي آل إليه .

كم من البشر يموت بصمتٍ في اليوم آلاف المرّات، يعضُّ نابه ليخفِّف من حرقة شعوره بالبخس والإجحاف، يتناول بعضاً من آلمه المعروضة للبيع في سوق النحاسة فلا من مجيب، فالكل مشغول ببضاعته التي يئن ظهره من ثقل حجمها، وتنثني ركبتاه قهْراً من وطأة الضغط الهائل على أعصابه المتناثرة هباءً على خريطة جسده المُنهك حباً، والمنغمس ولاءً في هموم الآخرين من حوله حتى باتت ذاته نسياً منسيّا.

لطفاً يا زمن الأنانية والتفرد والإنسداد، من العيب أن يبوح لك من يهمك أمره فلا تبالي، وليس من المروءة أن تستمتع بآلام من كانت سواعده لك فراشاً، وعيناه لحافاً، يبادرك بالمشاعر الإنسانية فتتباهى قسوة وكبرياءً لا يليق إلاّ بمن يعاني من صمم عاطفي، أو به مس من جن، تستأسد في وجه من يرعاك من رحمة، وتتلاشى في حضرة من هم صفعة الأيام.

أنت تعلم جيداً بأن الصبر سجيّة الحكماء، وخصلة مضيئة في سلوك العظماء، ومع كل ذلك تتمادى في غيِّك وتركب موجة الغرور ظاناً بأن ذلك سيقودك إلى حيث تريد، ولكن عليك أن تعيد قراءة التاريخ من جديد لعلك تستوعب الدرس الذي لم تبلغه بعد، واعلم جيداً أن الصبر لن ينفذ طالما تسلّح صاحبه بقانون الصابرين. تحيّاتي.        

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
فائق المرهون
[ القطيف - أم الحمام ]: 10 / 8 / 2011م - 5:49 م
عزيزي القارئ .........
أنت اليوم أمام لوحة فنية جميلة , و قصيدة نثرية يحيط بها قوس قزح يخلب الألباب , و كلمات تخطفك روعتها المتزامنة مع نفحات هذه الأيام المباركة , حتما أيها القارئ _ كاتبك الكريم اليوم قدم لك وجبة شهية مليئة بعبق أحلا من الزعفران , تثير الشجن في نفسك , وتغوص بك في أعماق ذاتك .
2
ابراهيم بن علي الشيخ
11 / 8 / 2011م - 4:07 م
عزيزي الأستاذ : فائق المرهون
مشاعرك الفياضة وعياً تستوجب وقفة صادقة لشخصك المحترم، وإدراكك لأبعاد النص تضعني أمام " مثقف مكتمل الحدود" فلك تحية تفوق الوصف مسبوقة بالدعاء الخالص.
إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية