مفروم حمير لأحلى رمضان !

 

 

كنت مشغولاً حتى الثمالة ، ولم أحك رأسي منذ أسبوع .. لكن هذا ليس مربط الحمار ! أقصد الفرس ! في الحقيقة هو ليس خطئاً إملائياً ولا مطبعياً ، ولا خيانة في التعبير ، لكن هو هوس وخوف قد أصابني منذ عرفت تلك القصة ، وبعدها لم ولن أدرك الفرق بين الحصان والحمار ، وبمعنى أصح لا أثق بالحيوانات إطلاقاُ بعد اليوم ، وحتى وإن نهق أو عوى أو نبح ليثبت هويته ، وأخاف بصراحة أن أرى لحماً مفروماٌ أمامي ! لأني سأصاب بحالة إغماء وغثيان لو رأيته ، وقريباً سأتحول إلي نباتي كالهندوس كي أرتاح ويطمئن قلبي وتطمئن معدتي .

أعرف إن الحصان والحمار أبناء عمومة ، وإنهما متشابهان كالتوأم ، ولهما نفس المقدمة والمؤخرة مع إختلاف أوتار حنجرة الصوت.. وأعرف إن العرب أختلفوا في حلـيّـة أكل لحم الحصان ، أمامه من مؤخرته .. كل هذا تحصيل حاصل ، ولنعد لأساس موضوعنا ، وأنا متأكد إنه بعد سماعكم القصة سوف تـدمـون رؤوسكم من كثرة حكحكـتها !

سألته زوجته إن كان بإستطاعته الذهاب معهم إلي السوبرماركت الشهير للتبضع وشراء مؤونة الطعام لملأ مستودع رمضان .. فأعتذر صاحبنا وقال لها كعادته : أنا مشغول ، وأذهبي أنت وأولادك وفيكم البركة ، وسأترك لكم ما قيمته ضعف راتب السائق لشراء الحاجيات ، فأستشاطت ببعض الغضب ، ولمحت له بعد أن ترنحت : سيكون لرمضان هذه السنة نكهة آخرى ، وفرصة أن لا تـفـوتها ( بتشديد الواو ) ، فسألها كيف ؟ فقالت إن إبنهما البكر الحديث العهد بالقيادة ، هو من سيقود السيارة هذه المرة وليس السائق ، وسيكـون للتسوق ذوقاً آخر ورمضان أحلى .. فأعتذر الأب مرة أخرى .

دخلت الزوجة السوق برفقة ابناءها ، وبدأ الجميع برمي الحاجيات المطلوبة والغير مطلوبة وسط عربة التسوق ، حتى أنقضت خمس ساعات ، وأمتلأت عربتان !  دخل الأب على أسرته ووجد حاجيات رمضان وقد حجبت لون أرض المطبخ من كثرتها ، فإذا بعينيه تلمح من بينها ، أصابع مجمدة من اللحم المفروم وقد كتب عليها " لحم  حلال " ، فقلبه ذات اليمن وذات الشمال ، ووجد إن سعر الرزمة ، أي الستة أصابع بـ ( 10 ) عشرة ريالات فقط ! ، ووزن الأصبع الواحد اقل من نصف كيلوجرام .

معقولة ياناس ! كيلو لحم مفروم بسعر ( 3 ) ثلاثة ريالات ( محدثاً نفسه مع حكة قوية في الرأس !! ) ، مع إن اللحوم قد أرتفع سعرها في كل دول العالم تقريباً ، وحتى لو أستثمروا رمل صحراء أستراليا  ، ونظفوه وغلفوه وثلجوه ثم صدروه إلي بلادنا ، هل يثمر أن يباع بثلاثة ريالات مع أستقطاع قيمة الأيدي العاملة .. لاء .. لا أعتقد .

أو ربما هو جيفة من لحوم نافـقة كالكلاب أو الحمير أو الكنغر ، تم فرمها بلحمها وشحمها وعظمها ، من رأسها حتى ذيلها ، ثم صدرت لنا .. أو ربما وجدوا ديناصور ضخم بكبر القمر ، ثم فرموه وصدروه ، لنا بعد وضع ختم " لحم حلال " .

صراحة تعبت من التخمين والقفز بين لحوم الجيف ، لكن هو سؤال أطرحه للمسؤولين ، وصاحبي القرار في وزارة التجارة :

أين  أنتم من كل هذا ؟ هل تشترون لأبناءكم  من هذا اللحم ، ألم تفكروا مرة واحدة ، من أين مصدرها ، والله لو تـقنعني من اليوم حتى بعد سنة ، لن أصدق إنه لحم  أصلاً .. صحيح وزارة التجارة لا تجبر المستهلك على الشراء ، لكن على الأقل أجبروا المستورد على التقيد بنوعية اللحوم ، ومن أين مصدرها .. نحن تعودنا ان يكون سعر اللحم المجمد عشرة أو أكثر للكيلو الواحد ، لا ثلاثة ريالات ! 

روائي وباحث اجتماعي