مظلومية القولبة الإجتماعية

 

من ضرورات الحياة وجود إختلاف بين مكونات المجتمع الذي يفضي في نهاية المطاف للتكامل بين أجزاء النسق الإجتماعي العام بصورة تضمن بقاءه وإستمراره من جهة، وإشباع دوافع أفراده من جهة أُخرى، وذلك من خلال التكامل العضوي والتساند الوظيفي بين مختلف تلك المكونات، بل إن المجتمع ذاته يزداد قوة وتأثيراً وإنتاجاً كلما إزداد إختلافه الإيجابي حتماً.

ثمّة عاملٌ آخر يُسهم في تمتين نسيج المجتمع، ويجعله أكثر ثراءً، بل ويمده بالقابلية الأكبر للنمو والتطور، ألا وهو تميز أفراده وحيازتهم للجدارات الشخصية والمهارات المهنية في المجالات المختلفة. فمن المهم بمكان أن يعمل الأفراد على إكتساب المعارف، والقدرات، والمهارات، التي تمنحهم المكانة المرموقة بين الآخرين في حاضنتهم الإجتماعية مهما صَغُر حجمها، بل إنني أحسب إن ذلك يعتبر من حق النفس على صاحبها، لأنه كما يسعى دائماً إلى صيانتها من الآفات، وحفظها من الزلل، وتكريمها ورفع شأنها،فإنه معني أيضاً بتفوقها، وصلابة إرادتها، وتسكينها دائماً في المكان الذي يليق بها في كل الظروف والأحوال.

إنما ما يستوجب التوقف عنده هو أن المجتمع ذاته يقوم بعملية تصنيف ذو دلالات ترتكز على نظرته للأفراد تأسيساً لما يتصوره المجتمع عن هذا العنصر الإجتماعي أو ذاك، معتمداً على الصورة الذهنية التي ترسخت في الذاكرة عبر السنين.

هذا التصنيف الذي يُعدُّ في أوقات كثيرة ليس عادلاً ويُحَمِّل الأفراد أكثر مما يجب ويعرضهم للنقد المستمر إن هم خرجوا تحت أي ظرف كان عن الإطار العام للصورة الذهنية التي تشكلّت في الفكر الإجتماعي، هذا رغم أن المجتمع يُدرك بأنهم ليسوا منزّهين لأنهم بالنتيجة بشر وليسوا ملائكة بالتأكيد، مهما كانت درجتهم العلمية، أومكانتهم الإجتماعية، أومناصبهم الوظيفية.

 من الظلم حقاً أن تتم عملية قولبة إجتماعية لأي كان، فالناس هم الناس جميعهم أبناء آدم وحواء " عليهما السلام " متشابهون بدرجة أو بأُخرى في تركيبتهم النفسية، وعجينتهم الطبيعية، ولا يجوز أن نقولبهم وفقاً لما نرى بعيداً عن تلك المعطيات، كما لا يجب أن نُطبِّق على السلوك الإنساني ومنظومة الدوافع الشخصية النظم التي تحكم البيئة الرحميّة، لأن الوسط الإجتماعي هو الذي يحتل الدور الفاعل في توجهات الأفراد، ولا يمكن أن نسحب الإنجازات الشخصية للوالد على الولد، أو للولد على الحفيد، وهكذا .. فلكل إنسان كينونته الخاصة ودوافعه بالرغم من عدم إغفال دور الجينات الوراثية بالكامل لا سيما في جانب السِّمات، فيا أيها الأحباب " المقولبون " رفقاً بالناس. تحياتي. 

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
فائق المرهون
[ القطيف - أم الحمام ]: 10 / 7 / 2011م - 12:07 ص
الأستاذ ابراهيم / وفقه الله
أولا - أهنئك بكل حرارة على النجاحات المتتالية التي تحققها في عالمك الحضاري والمهني , وهنيئا للمشاهدين في التلفزيون السعودي بك , وماشاء الباري أنت أهل لذلك .
ثانيا - كم هو خطير و مزعج جدا قولبة و تصنيف الناس على أساسات اخترعها الإنسان بميوله و رغباته الدنيوية من طبقية و سياسية ودينية إلخ .
ما أحوجنا إلى المجتمعات المدنية , وتعليم الناس الحريات بمعناها الحقيقي , لأنها لم تعد ترفا بل ضرورة فهل من سامع ؟
ثالثا - لن ينجو أحد منا من هذه القولبة حتى إشعار آخر , فلنا الله في كل حال .
دامت عطاياك الإعلامية والثقافية .
2
ابراهيم بن علي الشيخ
10 / 7 / 2011م - 1:21 ص
أخي الحبيب : الأستاذ فائق المرهون
بكم يكبر وينمو من ساقه الله للتوفيق للمساهمة في نشر الوعي والمعرفة، وهو الذي يشعر بأنه في عوز دائم إليها ، أمّا ما أدركه في مداخلاتك الإستثنائية إنني ما زلت أرنو للحاق بمن خطواته مباركة .
زادك الله بسطة في العلم والحلم والقلم .
إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية