في المطعم !

 

فرغ كوب الشاي الأخضر ولم يظهر شبحهم ، لقد أحترقت معدتي الفارغة كما حرقت نصف ساعة في طرح الأسئلة على نفسي :  كيف هي سلوك الزوج ؟ ماهي ردت فعله ؟ 

 هل سيتقبل دخولي معمعتهم ؟ وهل كل ماقالت عنه زوجته ، وما نقله أخيها عنه صحيح ؟

 يا الله ! بجد إنه رجل لايحترم الإنسانية ولا حقوق الزوجية .. حتى قاطع تفكيري رنين الجوال ، وأخبرني أخ الزوجة إنهما أمام المطعم ، فأخبرتهما إني أشغل الطاولة رقم كذا ..

 بعد التحية والسلام جلسا وأخبراني بنار الفحوى الزوجية ، وحتى خرج الدخان من فوق رؤوسهما ، فتراشقت الزوجة وأخيها بعقلي يمنة ويسرى ، وكأنني كرة بملعب تنس ، وفي إسترسال مستمر بطريقة الشرح بمدفع رشاش روسي ! 

 وبدون فاصل يتنفس فيه عقلي الصعداء ، وأستمرا يخبراني ويحدثاني ، كيف إن الزوج العصبي الناري يفعل كذا وكذا ، وإنه لايخاف الله ورسوله ، وإن له بطش يـئن له الجن قبل الأنس ، وإن السماء تريد أن تنطبق على الأرض بمجرد فتح فمه وخروج كلماته ، وإنهما يرغبان أن أتدخل في المحكمة وعند الشيخ والشرطة كي أنقذها من براثن أنيابه الشيطانية ، حتى تمنيت أن أكون طرزان كي أخلعه من حياتها وأرميه في مزبلة التاريخ .

سويعة وإذا بـ ( الزوج ) يتصل بي ويقول أنا أمام المطعم ! .. والله له صوت يرعد كزئير الأسد .. فجأة ! ودون سابق إنذار نزل قلبي الأرض ، لا أعرف ماحصل بي ؟ هل هي هالة شمشوم الجبار القادم نحونا ؟ أم هيبة الخوف !  أم  نتيجة الشحن النفسي الذي تلقيته من الزوجة وأخيها !

المهم دخل علينا الزوج الشرس ، وسلم وجلس .. وفرائصي قد تفككت وتحلحلت قبل وصوله ، وإذا بالمفاجأة! ويا لسخرية سببها الناس لا القدر .. إذ هو قصير القامة ، ونور الخلق ( بضم الخاء ) يسطع بالهامة ، وعليه ملامح عطف ورحمة وشهامة ، وما إن هم بالكلام حتى أستحى أن يقاطع كلامي كلامه .. وإذا بالزوجة ترمينا برتل من كلمات الرصاص ، وبسيل جارف من القيل والقال ، ومافعلت يافلان ، وحتى صدعت بروؤسنا ، وحتى زجرتها :  أنتهيت ؟ ، فقالت : تقريباً .


الزوج الهادئ ظل في حالة صمت مطبق ، حتى تلقى مني إشارة ، وطلبت منه عرض بضاعته ، فرفض وقال : لن أعيد تلك الأسطوانة ، ولا هدف من الكلام مرة ثانية وثالثة ، لكن أرجوك أريدك على إنفراد ، فخرج ولحقته ، وطلبت منهم الإنتظار ريثما أعود ، فجلست معه بعيداً كي أضمن عدم إستراق آذانهم لحديثنا ، فمسك بيدي ، وأحسست ببرودة جسمه وتثلج أعصابه ، وقال لي : أخي ! هي لاتريدني ولا تريد حلولك، بل تريد قريبها التي ينتظر على نر خبر إنفصالنا ، ولقد ُأكرهت بالزواج بي ، وأنا أنخدعت بمظهرها ولسانها المعسول ، وهذا أكبر خطأ عملته في حياتي . وهو السرعة في إتخاذ القرار ، وأي قرار ؟ ( شريكة الحياة ) .
إذاً طلقها وأرتاح .. كيف تعيش مع زوجة قلبها رهن رجل آخر ؟ كيف تقاسمها اللقمة وعقلها بعيداً عنك ؟

وماذا عن المهر الذي دفعته ؟ والنفقات التي صرفتها في ليلة العرس ؟ والهدايا الثمينة لها ولأمها ؟

أخي .. أتصدق إني تصورتك وحش لاترحم من وصفها لك ؟ صدقني ، إذا الزوجة لاتستر على زوجها في غيابه ، وتلبسه أقنعة سيئة هو برئ منها ، هي لاتستحق أن تكون جارة لا زوجة..  لأنها لم تحسن جزء من التبعل ، فالزوجة الحقيقية سيدي هي من تغطي عيوب زوجها عن أن يراها الأخرين ، وحتى أولاده ، وأن تعطيه فرصة تلو الفرصة ، حتى يتكيف ويتلائم مع حياتها ، وإذا لم ينفع الدواء المتكرر ، فالأنجع أن تهدده بالإنفصال ، وإنها ذاقت منه ذرعاً ، وبلغ  السيل الزبى ، والعاقبة للمتقين .. فخرجت كي يقرر هو مصيره .

روائي وباحث اجتماعي