الوشم و الوسم !

 

كلاهما تعني رسم دائم لعلامة أو شعار بالكيّ أو بالحفر على الجلد ، لكن الوشم يستخدم ( للحيوان ) والوسم ( للإنسان ) .. وكثير من الناس يختلط عليه الأمر في المعنى الصحيح لهما .

فقد أستخدم الإنسان القديم ومنذ سكان الكهوف الوسم كدلالة هوية وتصنيف وإنتماء لأبناء جنسه وقبيلته، أو لتعريف الناس بمكانة بعض المقـربين من ذوي السلطة وأصحاب القرار، أو لجلب الحظ والتقرب من آلهة السماء ، والتعاويذ من الجن والشياطين .. فكان الأغريق يوسمون أعضاء مجلس الشيوخ بالكتف الأيمن من الخلف تيمناً بآلهة المجد ، وتوسم رجال المعبد بأسفل الرأس من الخلف .

أما الرومان ، فكانوا يتباهون بأوسمة الحيوانات الكبيرة التي تملأ صدور وأذرعة مقاتليهم ومحاربيهم ، كرمز الذئب والنسر والعقرب وغيرها من الحيوانات المفترسة ، فهي تدل على القوة في ترتيب المحاربين ومدى قدرتهم في الجبهات .. وذوي محكومية الإعدام فيوسمون بختم مزدوج كبير بالفخذين أو الكتفين، كي لا يهربون .

أما بالقارة السمراء ( أفريقيا ) ، فكانوا يوسمون عنتر القبيلة بوسم خاص .. ومن يستطيع أن يهزمه ويقتله من القبيلة أو من القبائل الأخرى ، فيستحق نيل ذاك الوسم ونيل ماخلفه من ُحليّ ونساء !  وبالنسبة لفتياتهم وزوجاتهم ، فكان الوسم يغطي مساحة كبيرة من خدودهن وجباههن ، كي لاتخطفن في الصغر، وليتم التعرف عليهن بسرعة ( هي زوجة أو أخت ) لقوة الشبه بينهن وخاصة بالظلام ..

أما بالنسبة لتجارة الرق قبل الإسلام ، فكان سادة العرب يوسمون عبيدهم وجواريهم بشعار خاص بهم ، وفي نهاية الأمر نفهم إن عموم الأوشمة والأوسمة سواء بالإنسان أو الحيوان شبه متساوية الهدف والمغزى، وكلها قشرية زائلة ُتمحى وتذوب مع موت صاحبها فوق الأرض أو تحت الأرض ، ويذهب تاريخه سدى دون ذكر.

أما ما أرمي إليه في مضمون أطروحتي، هو الوسم الحقيقي الدائم للإنسان ، وهو وسم الجوهر وليس المظهر.. فالفائز منا من يجيد نقش أعماله وآثاره الصالحة في صخرة الحياة ، فيُبصم سجله البشري بوسم ُمشرف ، فيعود إليه الناس عند ذكره كإنسان مُخلد لاينساه الدهرحتى آخر رمق في  الحياة.

 أنظروا لمن سبقنا من أسلاف الماضين ، يوم تلو اليوم ، ومازلنا نضع ( أوسمة جميلة ) على جباه الطيبين والصالحين منهم، ومازلنا نضع أسمائهم في قائمة الشرف والعطاء ، ولا نعتد بالسنين التي تحجبنا عنهم ، لكن ذكراهم يبقى خالداً بسجل البشرية ونبراساً يُحتذي به ، والكل يتمنى إنتمائه إلي دوحتهم .

 أما من أتبعوا خطى الشيطان ، وأصبحوا من أهله ، فقد نالوا ( وشم العار ) والذل والخذلان ، وخلدوا بقائمة المنبوذين في سبورة المغضوب عليهم .. يتبرأ منهم كل من يقرأ صفحاتهم السوداء ، ويهرب منهم كل فاحص لسير الذكر وعلم الحقيقة .. إذاً كل إنسان يختار ختماً لنهاية حياته ، فأما وسماً خالداً أو وشماً ملعوناً .. لإنه مُخير بين الحق والباطل .

روائي وباحث اجتماعي