الهروب من الحريّة !!


 من المؤسف إنّ أقصر طريق لبلوغ النتائج الباهتة في الحياة هو : أن يسير المرء في ركب الآخرين ويقدم لهم على طبق من ذهب الإستعداد لإتباع ما يفعلونه لا ما يريده هو شخصياً ، بطريقة تمكنه من بلورة وصياغة تجربته الشخصية الخالصة في الحياة . ومن المؤسف كذلك إن غريزة القطيع قوية فعلاً ، ربما لأنها في نظر ضحاياها لا تتطلب بذل المزيد من التفكير بشكل فردي وبالتالي الإبتعاد عن " وجع الرأس ومسئولية الكرّاس " .

 قد يثير هذا الكلام غضبك ، كما تفعل معظم التصريحات التي ترغب في إنكارها ، إذا كانت حياتك بعيدة كل البعد عن أن تكون مُمتعة ومُرضية كما تحب أن تكون ، فاعلم أنك السبب الأول لهذه الفوضى ، فلا أحد يجبرك على أن تكون حياتك ، وفلسفتك في الحياة بهذه الصورة ، بل أنت وحدك من إختار ذلك بقناعة ورضى ، وقد نتج ذلك عن رغبتك المدلّلة لديك في مجاراة ومسايرة الآخرين في كل   ما يفعلونه من حولك !!

  كتب إريك فروم ( Erik Fromm ) في كتابه " الهروب من الحرية " ( Escape from freedom ) ما يلي : " يعيش الإنسان العصري في وهم أنه يعرف ما يريد ، بينما الحقيقة أنه يريد   ما يفرضه عليه المجتمع " الواقع أنه في  المجتمع الإستهلاكي يملي المعلنون ، ووسائل الإعلام عامة ، وقادة الرأي ، وغيرهم .. على الإنسان ما يفترض به أن يريده ، والناس بمعظمهم يرتضون هذه البرمجة العقلية ويتقبلونها بكل رحابة صدر عوضاً عن التوقف والسؤال عمّا إذا كانت تناسبهم أم لا ؟ وعلى أية حال أن تحاول التوافق مع السواد الأعظم لأمر أسهل بكثير من التساؤل عمّا يفعله الغالبية والقيام بعمل مختلف عنهم ، إضافة إلى ضمان النجاة من مقاطعتهم لك ، أو التهكم عليك ، أو العمل على عزلك إجتماعياً ، ومحاصرتك حتى تستسلم لما لا تريد .

 ربما يبدو لك كذلك أنه من الأسهل عليك أن تتبع القطيع من أن تفكر بشيء مختلف وتفعل أشياء مختلفة بعيداً عن تأثير الآخرين ، ولكن تذكّر المثل الذي يقول : " إلحق بالبوم فيرشدك إلى الخراب " فالمشكلة مع القطيع أو " الحشد " أنه " أحياناً " يتدافع مذعوراً بحيث يصبح من العسير إيقافه ، وعندما يسبب قطيعٌ ما ضرراً كبيراً ، لن يتقدم أي فرد من أفراده للتصدي ، وتحمل المسؤولية بأي شكل كان .

 قلّةٌ قليلة من الناس يكوّنون آراءهم الخاصة ، ويتخذون قراراتهم بأنفسهم ، ويتحمّلون نتائجها ، بينما الغالبية من الناس بدلاً من أن يسمحوا لإبداعهم وحكمتهم أن تدير حياتهم يفضلون ما يفعله الآخرون ، وما يفكرون فيه . لأن طموحهم الأقصى هو أن ينعموا بالعيش في منطقة الراحة ، بيد أن هناك دائماً بديل عن اللحاق بالقطيع ، ففيما القطيع يسير في إتجاه ما ، تستطيع أنت أن تنصرف إلى أحد الإتجاهات الكثيرة المفتوحة أمامك والتي ستأخذك إلى نفس الهدف أو أفضل منه بكثير . وبهذا القرار الإرادي تتمكن بالتأكيد من ترك  " بصمتك " على هذا العالم ، وتحتفل بذاتك مهما تواضع مستوى نتائجك التي وصلت إليها ، المهم أن لا تتوقف عن المسير ما دُمت حياً ، لأنك إذا إتبعت الآخرين فلن تتقدم عليهم ، أما إذا قرّرت المسير بمفردك فقد تصل إلى مكان لم يسبقك إليه أحد وهذا هو منتهى الإبداع . تحياتي

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
فائق المرهون
[ القطيف - ام الحمام ]: 24 / 3 / 2011م - 10:56 ص
الأستاذ ابراهيم / وفقه الله
ليس غريبا علينا أن نسير كالقطيع وراء الآخرين !
والحجة جاهزة في هذه الحالة ( حشر مع الناس عيد ) !
و لايمكن أبدا تجاهل ثقافة الخوف من الجماعة , التي تحضر معها الكبت والترهيب , و لاينجو صاحب الدبلوماسية والرأي الحصيف من هذا التيار الشمولي , و اعتقد أن ماتشهده الأوضاع السياسية في محيطنا العربي تدلل على مانقول .
عزيزي / لمست الواقع بفن الممكن , وتلك سياسة وكياسة في آن .
دمت بالحرية مولعا .
2
ابراهيم بن علي الشيخ
24 / 3 / 2011م - 5:52 م
أخي الحبيب : الأستاذ فائق المرهون
لا أستغرب ابداً قدرتك على القراءة الفاحصة الجادة ، فإن لم يكن ذلك متاحاً لمثلك ، فـ " لمن " يكون ؟ أنت بحق من يشعر المرء معه بالحرية المتجذرة في عمق المسؤولية . دامت إضاءاتك .
إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية