إشكالية الوعي الناقص

 

لا شيء أسهل اليوم من إمتلاك الأحلام وتحقيقها أيضاً ، ومساءً إثر مساء تعرض علينا صناعة أحلام كاملة ، أية أحلام نختار ، ونستطيع الحصول عليها بالشراء ، إنها أحلام الدعاية . بيد أن هذه الأحلام المعروضة علينا من الخارج ، ليست هي التي أرغب الحديث عنها في هذا المقال .

إنّ كثيراً من الشباب في سن المراهقة " وهو سن البحث عن الهويّة " يرفعون إلى عنان  السماء أبطالهم من المشاهير في مختلف الميادين " الرياضية ، والدينية ، والفنية ، والسياسية ، والإجتماعية ، وغيرها ... " ويريدون أن يصبحوا مثلهم ، ويسارعون إلى تقليدهم ، لكن لكل إنسان هو الأصل ، وعندما يريد إنسان أن يقلد إنسان آخر ويصبح مماثلاً له فلن يخرج ذلك عن سوى نسخة منسوخة عن الأصل أو مزورة على أكثر تقدير ، وإن إكتشاف أنفسنا من جديد ، يعني إكتشاف أصالتنا ، وهذا لا تقدمه لنا بالتأكيد صناعة الأحلام أو الدعاية .

أيضاً بالنسبة إلى الأحلام لا بدّ من إنجاز التحول من التوجه الخارجي إلى التوجه الداخلي ، الأمر الذي يدور حول تحقيق احلام صناعة الدعاية ، بل أحلامنا الداخلية الخاصة وأحلام طفولتنا وحياتنا .

نّ أحلامنا الذاتية الأصلية القديمة من النادر أن تكون مرتبطة بشراء كنوز خارجية وإمتلاكها ، بل التعرف على الكنوز الداخلية التي أودعها الباري عزّ وجل فينا ، وإخراجها إلى الضوء ، وترك الناس الآخرين يمتلكون نصيباً منها .

مع شديد الأسف لقد نسي كثير من البشر كيف يحلمون ، ويطردون أحلامهم ، علماً بأن مغزى الحياة يكمن فيها . ألا وهو تحقيق الإنسان لأحلامه ، أنّ لكل منا وظيفة محدّدة في الحياة تماماً ، ونحن لن نشعر بالسعادة والرضى عن حياتنا إلاّ إذا تعرفنا على هذه الوظيفة وحققناها ، وهذا يعني أننا نعيش حياة أُنجزت فيها مهمة الحياة ، وإنّ أحلامنا هي التي تذكرنا بإستمرار بوظيفة الحياة الفعلية ، وتطالبنا دائماً ( كن أنت ذاتك ) عش حياتك ، وسر في طريقك بدون توقف .  

 دعونا نتحدث بصراحة : عنما لا ينجح شيء فإننا نرتكب خطأً ، ولدى تحقيق الأحلام يرتكب معظم الناس خطأً أساسياً ، فبدلاً من جذب أحلامهم إلى حياتهم ، أي : جعلها أحلاماً قريبة منهم ، فإنهم يطردونها بعيداّ عنهم ، وهنا يكمن السر !! إنّ الفارق بين جذب الأحلام وطردها ربما يكون غير مألوف لديك ، ولكنك تعرف هذه الظاهرة بالتأكيد أيضاً ، إن لم يكن لديك ، فلدى الناس الآخرين .

 كم مرّة كنت تستلطف إنساناً ما ، وكنت تراه محبباً إليك ، ولعلك تعرفت عليه عن قُرب ، ولكن بدلاً من أن تجذبه دائماً وبإستمرار إلى حياتك ، تطرده عنك بصورة أو بأخرى ، ومع مرور الأيام يبتعد عنك هذا الإنسان رويداّ .. رويداّ وهو الذي كنت تتمنى قربه حيث لم تعد الطاقة بينكما جاذبة بل طاردة . وهنا أقول لك يا عزيزي : إنه لا يجوز لنا أن نستبعد أحلامنا ونطردها ، يجب علينا أن نجذب أحلامنا نحونا بإستمرار .

 إنّ البوابة الواسعة لتحقيق الأحلام هو " فهم مشروع الوعي الناقص " النقص معناه : ثمة شيء لا تملكه ، وتتوق إلى إمتلاكه ، ومعناه أيضاً : إعتقادك أنك لست كاملاً وتعاني من العجز ، ولا حول لديك ولا قوة ، وأنك تفتقد إلى الحب والحظ والمال والسعادة ، وبمثل هذا الوعي الناقص لن تستطيع جذب الأحلام إلى حياتك ، بل الكوابيس المزعجة ، وزيادة الهوّة بينك وبين أحلامك التي هي أقرب إليك من حبل الوريد ، لو أنك آمنت بأن الثراء لا يأتي إلاّ من الوفرة،  وأنك بما أسبغ الله عليك من نعمائه فإنك من أثرى أثرياء العالم ، الحمد لله رب العالمين .

إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية