إحذروا من حليمة يا ذكور !!

 " حليمة " هي زوجة حاتم الطائي الذي اشتهر بالكرم كما اشتهرت هي بالبخل . كانت إذا أرادت ان تضع سمناً في الطبخ واخذت الملعقة ترتجف في يدها ، فأراد حاتم أن يعلمها الكرم فقال لها:  إنّ الاقدمين كانوا يقولون إن المرأة كلما وضعت ملعقة من السمن في طنجرة الطبخ زاد الله بعمرها يومــا ً ، فأخذت " حليمة " تزيد ملاعق السمن في الطبخ حتى صار طعامها طيباً وتعودت يدها على السخاء ، وشاء الله أن يفجعها بإبنها الوحيد الذي كانت تحبه اكثر من نفسها ، فجزعت حتى تمنّت الموت ، وأخذت لذلك تقلل من وضع السمن في الطبخ حتى ينقص عمرها وتموت !!فقال الناس " عــادت  حـلـيـمـة  إلى عــآدتهـــآ الـقـديمــة " فذهبت مثلاً . بيد أن هناك روايات أُخرى عن " رمزية هذا المثل الشعبي في العالم العربي " ولست أدري إن كان لدى الإفرنج " حليمة " كحليمتنا ، أم أن موروثهم الثقافي يختزن بحليمة أخرى " نحلم بها " كما نحلم دوماً بمبتكراتهم وحرياتهم وعدالتهم ، و ... و ... حتى في صحوتنا .   

هذا المثل الشعبي التهكمي الساخرالذي يُعبِّر عن العودة إلى عادة سيئة تم التظاهر بالإقلاع عنها ثم يكتشف الناس بأنهم كانوا مخدوعين بذلك السلوك الحسن الظاهر للعيان حينما يتضح لهم لاحقاً أنه لا شيء قد تغّير على طبيعة تلك العادة السيئة ، وإن ما كانوا يلاحظونه من تغيير وتقدُّم في سلوك صاحبها ما هو إلاّ بقيعة سراب كقوله تعالى : ﴿ .. كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا .. (39) سورة النــور .
   
من المؤسف إن " حليمتنا " تمتلك القدرة الفائقة على التلون بألوان متعددة كالحرباء وهي تطل علينا من منافذ شتى في حياتنا اليومية ، حتى بتنا لا نفرق بين لحظات الصدق والخداع في سلوكها عندما نلتقي بها في هذه الزاوية الحياتية أو تلك .

تغمرنا البهجة حينما نلاحظ أنها قد " إتّخذت مكاناً قصيا " عندما تكون هناك بلبلة على خلفية واقعة ما ، ونعتقد أنها إن مرّت بذلك الحدث فإن مرورها سيكون " مرور الكرام " ثم لا نلبث أن نكتشف بعد حين أنها كانت المحرك الرئيس لتلك الزوبعة وذلك الشحن العاطفي والإنفلات الإنفعالي ، وتجييش الكل ضد البعض ، وتحريض البعض لينتفض " ردة فعل " في وجه الكل . إنها تمثل " حالة إبداع قبيحة " في المناورة ، والمراوغة ، وكافة مشتقاتهما ومترادفاتهما بكل لغات العالم .

إنها فائقة القدرة " قولاً وعملاً " في إطلاق حملات التضليل والترويج لكل ما من شأنه أن يُدخل السعادة إلى قلبها وقلوب عشّاقها ، لأن لديها أسطولاً ضخماً من آليات ووسائل الدّس والغش ، والتهويل ، والتجهيل ، والتكبيل ناهيك عن " فيالقها الإلكترونية " التي تعمل بنظام المناوبات على مدار الساعة حرصاً منها على إستمرار تدفق خدماتها القذرة لمريديها المغفلين الذين يعملون لديها كالخفافيش في طوع ووداد لأنهم ربما لم يعرفوا بعد بأنهم مخدوعين .

إننا نحلم بيوم تشرق فيه الشمس وقد تخلّصت " حليمتنا " من هذا المرض المتجدد   في سلوكها المتمثل في الإنهيار المزمن لإرادتها في التغيير والتطوير والإقلاع الصادق والفعلي عن العادات السيئة التي تتجلّى في إرتجاف يدها وترددها في عمل الخير والعطاء ، فنكون بذلك أوفر حظاً من حاتم الطائي الذي ما زال يسير في عروقنا ولكن " بحليمته البلهاء " تحياتي .

إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية