إفلاس بعض الناس

يُعتبر النقد أداة فاعلة وهامة من أدوات التطوير والتحديث والإرتقاء بالأداء والسلوك على حدٍ سواء في كافة مفاصل الحياة ، وأياً كان مصدر النقد خارجياً ، أو داخلياً " ذاتياً " فإنه يؤدي بالتأكيد مفاعيله الطيبة في التحسين والتطوير ، والإنتقال من الحالة التقليدية الساكنة ، إلى الحالة الديناميكية المتقدمة ، شريطة أن يصدر عن إنسان مخلص ، وفي المقابل يلقى أُذناً صاغية وعقلاً متفتحاً ، ونية حسنة بعيدة عن فخاخ التأويل ، والشك والظن ، وغيرها من أدوات الهدم التي لا ترحم ، وتؤدي إلى تدمير كل الجهود الخيِّرة الهادفة للصعود إلى القمة .

ومن المؤكد إنّ إحترام كينونة الشخص وصون كرامته يجعله دائم التطلع إلى بناء جسور من الثقة والمودة بينه وبين من يقوم على انتقاد بعض تصرفاته وسلوكه ، سواء بالنسبة لما يكتبه أو يتلفظ به ، لأن للكلمات اللطيفة والمهذبة أثر مهم في الإحتفاظ بكرامة الشخص وخصوصاً إذا كان موضوعياً ولا يتم التركيز فيه على ذات الفرد ، كملابسه ، ومشيته ، وطريقة كلامه ، وعطره ، وهندامه ، ولونه ، ومهنته ، وأصحابه ، وليس على شخصيته التي تعني بالدرجة الأولى طريقة تفكيره ، ورسالته في الحياة ، ونمط علاقاته مع الآخرين ، وذلك عندما يرتكب الأخطاء والممارسات غير الصائبة ، لأن هذا هو المهم في تقويمه وتصحيح أفعاله وتصرفاته ، مما يجعل الأمر قابلاً للتعديل والتحسين . 

إن النقد الموجه للأفراد وليس إلى سلوكهم يترتب عليه أمور في غاية الخطورة فهو يحد من قدرات الأشخاص وإبداعاتهم وتفوقهم ، والإفادة من عطاءاتهم الفكرية لمجتمعهم كما أنه قد يُحطم ما لديهم من قيم وقواعد أخلاقية إن هم كانوا غير محصنين ضد هذا النوع من الإنتقاد ،أو النقد السلبي " الإستفزازي " أو يؤدي بهم إلى اتخاذ قرارٍ بالعزلة والإنزواء ، والإنسحاب المبكر من كافة الأنشطة الإجتماعية ، والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة ، وشاخصة للعيان ، وغنية عن البيان ، ويزداد الأمر سوءاً إذا ما إنطلق ذلك الإنتقاد من خلفية تاريخية تصادمية تنشد الغلبة ، والتشهير ، عبر كافة الوسائل ، بل وتتحيُّن الفرص للنيل من هذا الطرف أو ذاك ، تنكيلاً وتسقيطاً  والكل يزعم بأنه " يحرص على تحقيق الصالح العام " والله أعلم بما وراء الكمأة من أهداف .

إننا إذا ما وجهنا النقد لشخص الإنسان ، فإننا بذلك نتسبب في إهانته ونحط من كرامته التي سيتفانى في الدفاع عنها ، ولن نجني من ذلك سوى الكراهية والحقد منه ومن مناصريه ومريديه ، وسندخل في دائرة لا تنتهي من الهجوم المتبادل وقد يتطور ذلك إلى وضع لا تُحمد عُقباه " لا سمح الله " ، بينما إذا حولنا النقد إلى الفِعلْ كقوله تعالى : ﴿ قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ الْقَالِينَ (168) سورة الشعراء ، وبإسلوب لبق لا تجريح فيه ولا مهانة ، سنجد أننا قد كسبنا محبة وإحترام ، بل ودعاء من وجهنا نقدنا البنّاء إليه ، مما يدفعه إلى تبديل سلوكه الغير مرغوبٍ فيه ، ومبادرته لشكرنا على النصيحة التي أسديناها إليه في محبة ووداد .

أمّا أنت يا من تشعر بالغبن من " طاخ طيخ " من يفتقد لأبسط أدوات " النقد البناء " فليس أمامك سوى الصبر والمثابرة ، وحاول أن تجد في كل سلوك نية حسنة ، وأن تتعاطى بثراء فكري كبير مع إفلاس بعض الناس أفضل لك ألف مرة من أن يُقذف بك في المنطقة الملتهبة فتذوب حكمتك ، فيطرب المفلسون . تحياتي .

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
فائق المرهون
[ القطيف - ام الحمام ]: 11 / 11 / 2010م - 5:51 م
الأستاذ ابراهيم / وفقه الله
ما أسهل أن يرفع الواحد منا معاول الهدم وفؤوس التكسير لكل مايخالف فكره ومعتقده , للإعتقاد بالصوابية , وتضخم الأنا المفردة أو الجماعية التي أضحت مرضا عضالا في العقلية العربية !
و بالمقابل يعيش بعض أصحاب المسؤولية في برج عاجي , ويظنون كل الظن بأنهم منزهون عن كل خطأ , وتراهم يرفضون أقل نقد , حتى لو صدر ممن كانت نيته التقويم وليس التخريب , وتجدهم يرفعون شعار ( أن لامساس ) .
وهنا يكمن خيط رفيع بين النقد الهدام والبناء , جعلنا الله لمقامكم من البنائين .
سموت عاليا , مشيدا , و منورا .
2
براهيم بن علي الشيخ
12 / 11 / 2010م - 3:03 ص
أخي الحبيب الأستاذ : فائق المرهون
من المؤسف أن يرى البعض أنه فوق النقد ، ولكن في المقابل من المحزن أيضاً أن يأذن بعض الناس لأنفسهم ممارسة الإنتقاد الذي يركز على الذات وليس السلوك أو الفعل فتثور عناقيد الحسد ، أما أنت يامن يأنس النقد بممارستك الواعية لأدواته ، والمتطلعة لأهدافه ، فينمو الزهر في أرض اليباب . دامت إطلالتك الرائعة في ظل رعاية الباري . تحياتي
إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية