البساطة حمية
واقع الحياة خاصةً في هذا العصر يتطلب قوة إرادة قادرة على إدارة التغيير، فحياة الأمس تختلف عن حياة اليوم، فالتغيرات الكبيرة والمفاجأة التي يمر بها الإنسان تحدث مفارقات كبيرة في مختلف أنماط الحياة، وهذا التغير قسرًا لا اختيارًا، لذا نحتاج إلى إرادة قوية قادرة على التغيير، فالإرادة كيان ينبض بالحياة، فهي الأصل في التجديد والقادرة على محورة الحياة نحو المصلحة الذاتية والاجتماعية على أُسس منطقية وعقلية كونها القوة الغالبة والمسيطرة على إدارة التفكير إذا وظفت في الاتجاه الصحيح، لما تتصف به من شمولية، استنادًا لرؤية الإمام علي حيث عبرعن الإرادة بأنها كيان حي يتصف بالصفة الإنسانية والاجتماعية.
فالكيان الإنساني أو الذات الإنسانية تحتاج إلى طاقة هائلة تستمد منها سر البقاء والصمود أمام المتغيرات التي تمر بها الحياة، فمقدرة الإنسان على كيفية إدارة التغيير، وتغيير بوصلته نحو الاتجاه الايجابي لهذه المتغيرات، يتطلب إدارة قوية متفهمه وواعية حتى يتم التحرك في الأفق الإرادي الصحيح، وضمن مقومات تساعد على تنظيم هذا التغير خارج حيز الفوضى التي تعم الحياة.
ومنها التخمة التي تسيطر على أغلب مظاهر الحياة جراء الشراهة المفرطة إلى جانب آفة الاستهلاك وارتفاع مستوياته، حيث يلاحظ ارتفاع مؤشرات الاستهلاك بمختلف صوره إلى التب مما يعني إنه فاق الحدود المسموح له كمعدلات طبيعية متوازنة مع مقدار الاحتياجات الأساسية والضروريات الحياتية، بحيث تحولت الثانويات إلى ضروريات وهذا بسبب التكلف في نمط المعيشة، والتكلف في التفكير الذي اصيب بالتخمة والسمنة المرضية، في جميع اشكال الحياة.
من هنا ندرك إننا نحتاج إلى عمل حمية وقائية سواء كان ذلك على المستوى الجسدي والنفسي أو الاجتماعي، والتخلص من العادات التي اكسبتنا تراجعًا في الناحية الإنسانية والاجتماعية وجعلت منا كيانًا ماديًا بحثًا همه رغباته التي لا حدود لها.
فالصحة العامة على اختلاف مستوياتها لا وجود لها، إن بالغنا في تناول الأشياء التي تزيد من المعاناة والمشاكل سواء المتعلقة بالناحية الجسدية أو الفكرية كونها من الأمراض التراكمية، فطلب المزيد دون أن يكون هناك حدود يسبب ضغوطات نفسية، وهذا هو ما يطلق عليه الموت البطيء المرتبط بالتعقيدات والقيود التي نضعها نحن بأخطائنا، وابتعادنا عن مقومات الحياة البسيطة، فالإنسان عندما يفقد ذكائه يفقد القدرة على إدارة إرادته.
ومن حيث إن المبالغة في الكثير أو القليل سببًا للإصابة بالتخمة والمرض، لذا لابد من تحقيق التوازن والتخلص من العادات السيئة التي تعتبر سمومًا مادية وفكرية تلوث الحياة، والرجوع إلى بساطة الحياة بعيدًا عن كل التعقيدات.