منبر الحسين نبض الأمة الهادر

تحلّ في كل عام ذكرى حادثة أليمة عرفها التاريخ الإسلامي منذ أمدٍ طويل ألا وهي فاجعة الطف التي ما زال صداها يتردد في مسامع التاريخ.

إن مأساة كربلاء أو حادثة الحسين مثلت أسمى أدوار الإنسانية الفذة ولقنت العالم الاسلامي دروساً لن تنسى، فكربلاء ما زالت تشكّل دروساً حياتية بالنسبة إلينا، ولو استوعبنا هذه الدروس لأنقذنا بذلك حياتنا.

فالتاريخ الطويل العريض قد يدور كله على قرار وإرادة إنسان واحد؛ أي إن هذا الإنسان، وفي لحظة تاريخية حاسمة قد يصدر قراراً حاسماً ليغير مسيرة التاريخ.

ولغرض إيضاح هذا المطلب أن ذكرى تخليد الأفراد في أي مجتمع من المجتمعات هي من السمات الحضارية العالية والمنزلة الكبيرة في حياة الشعوب والأمم فما بالك بذكرى سيد الشهداء الإمام الحسين سبط رسول الله وحبيبه، فالحسين هو رمز من أعظم رموز هذه الأمة وقادتها.

فالإمام الحسين وواقعة الطف حقيقة واحدة، بحيث تعتبر كربلاء الحسين في كل عام معتركاً جديداً للباحث والخطيب والمهتم بالشأن الحسيني يكتشف فيها معالم جديدة.

بمعنى أدق أن الإمام الحسين مَعينٌ لا ينضب، على قرور الليالي والأيام ومضيّ العقود والقرون، وبحسب قابليات العقول المحبة لأهل البيت تستطيع أن تنتزع من هذا الجديد شيئاً مهماً ومفيداً للمؤمنين.

إن النهضة الحسينية أعطت الكثير من القيم النبيلة والأخلاق الانسانية بكافة صورها وأنّ هذه المراسم الحسينية التي تتجدد سنويًا ليس لها معنى تاريخي فحسب وإنما هي نظرة لمقياس عمل للحياة الإنسانية تزيد من رفعة هذه الشعيرة لمرتبة تسمو بنا عالياً ينتهجها الأفراد لمسار حياة تدفعهم نحو طريق الخالدين.

إذا ماذا أعددنا لهذه الذكرى؟

هل أعددنا كمًا من الملابس السوداء والوشاحات والمعلقات والأماكن والساحات والهبات وكمًا من توابعها كغياب أغلب الطلبة كمظهرٍ تعاوني مع الجميع فقط! في بيئة تعتمد على المظهر دون التعمق في اللب والجوهر!

وهل أعددنا لهذه المناسبة كمًا من الأماكن والتجهيزات العابرة لإقامة هذه المراسم العاشورائية؟

وهل أعددنا قوة فاعلة تتجلى صورها في العمل النظامي والعهد للإمام أن يكون هناك عمل إنساني يستفيد منه الإنسان في حياته ويعزز لدية روح العمل والقوة في المبدأ والاتجاه والقيم ذات المنهج الإيماني القويم؟

فنحن نعيش في رحاب ذكرى استشهاد الإمام الحسين حسين الإباء حسين العطاء حسين القيم والمثل العليا السامية فإن ثورته لا تزال حية تعكس تفاعل الأمة مع التاريخ في تحرك وعطاء مستمر، الحسين ثورة للإنسانية، وليس لأمة جده محمد صل الله عليه وآله وسلم لهذا يجب إحياء هذه الشعيرة من خلال أهدافه ورسالته الإنسانية.

ماهو دور المجالس الحسينية؟

إن هذه الجهود المعطات من الجميع من هؤلاء الشموع والسواعد العاشقة والهائمة في حب الامام الحسين تدرك مدى أهمية هذه المناسبة وتحاول من خلال مراكزها، التطوير في مستوى الخدمة من كافة الجوانب والوصول إلى الرضا وما يناسب شرف هذه الخدمة.

لا نريد أن نهضم حق أحد تشرف بهذه الخدمة ولا نريد أن نسترسل عن سلوكيات أهل البيت فهي كثيرة ومتعددة، وإذا أردنا أن نسلط الضوء على بعض السلوكيات الخاطئة والعادات السيئة التي تتعلق بالمآتم والمواكب الحسينية وكذلك بعض المضايف وطريقة الارتقاء بمستوى الخدمة الحسينية التي تليق بمستوى وعظمة هذه المصيبة وصاحبها الذي علمنا إياها من خلال نهضته عدة معاني يجب أن نقتدي ولو بجزء بسيط منها.

لماذا لا تكون المجالس الحسينية كمؤسسة تخضع لإدارة ولجان متعددة ومتنوعة؟

تتكون من لجان طبية، لجان إعلامية طيلة الفترة من أجل تهيئة هذا الكادر وتدريبه، فموسم عاشوراء وباقي المواسم بل والمنبر الحسيني ثري بعطائه في كافة المواسم خلال السنة.

كما وأننا نتملك القدرة على ذلك ولدينا شباب معطاء وخاصة في مجال خدمة الإمام الحسين. حيث لاحظنا أنّ بعض المجالس لديها كوادر كثيرة، لكن ليست مؤهلة للخدمة الحسينية لقلة الوعي الثقافي. فعلى أصحاب هذه المجالس مسؤولية كبيرة وأهمها إحياء مصيبة الإمام الحسين وباقي مصائب أهل البيت، وهي مسؤولية أساسية لا اختلاف عليها. لأن المجلس الحسيني مؤسسة دينية تملك موقعاً متميزاً جداً في الواقع الشيعي، وتحمل رسالة كبيرة جداً لها أبعادها العقائدية والفكرية والروحية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

لقد كانت ثقافة كربلاء تقول «الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة» الحسين مدرسة الحسين الثقافة، وثقافة الإيثار وثقافة العطاء وثقافة النصيحة وثقافة السلام والحب. وما نلاحظه من فوضى وتزاحم وانتشار غير مبرر للضيافة في أماكن متعددة شيء غير طبيعي.

ويجب والحفاظ على نظافة أماكن الضيافة في الشوارع والأماكن التي تقدم فيها الأكل والشرب من أكواب الشاي وعلب الأطعمة وما إلى ذلك. مما يسبب تراكم المخلفات في أماكن التعزية وبذلك تعكس صورة غير حضارية لا تليق بنا كمجتمع استنهض فكره من رسالة الإمام الحسين وهو مواظب على الحضور للمجالس والاستماع للخطيب وهو يعالج هذه الظواهر التي تسيء لنا.

المنبر نبض الأمة.

المنبر نبض الأمة والأمة هي المجتمع، والمجتمع هو المستهدف بكافة فئاته العمرية وتقسيماته الذكورية والأنثوية، وهو يدعو التقارب والتلاحم بين فئات المجتمع كافة وبعدم التغافل عن القضية التاريخية وسيرة واقعة الطف بكل أبعادها فعاشوراء مدرسة البطولة والفداء والقيم والأخلاق، وهناك عدة ملفات شائكة وقضايا عالقة ومستمرة تعترض مسيرة الأمة أو المجتمع وأهم هذه القضايا الخاصة بالأسرة والمجتمع لذا يمثل المنبر الحسيني مدرسة غنية تضج بالعطاء الفكري والثقافي، وتقدّم دروسا تاريخية للمستمعين، فهي خلاصة ما استوعبه الخطيب من زادٍ خلال عام.

حيث بإمكان المنبر أن يكوّن له دور في التوعية الثقافية والأخلاقية والعقائدية. ففي زمننا الحاضر، بل وعلى مدى القرون الماضية، كان المنبر الحسيني ومازال يمثل اكبر أعظم قناة في الإعلام، ويتمثل هذا في دور الخطيب.

وأعتبر أن من أهم مقومات وعوامل نجاح الخطيب هو الاخلاص في رسالته. فلكل خطيب عطر رائحة، الخطباء كل واحد يكمل الثاني، فخطيب يهتم بالجانب العاطفي، وآخر يخاطب العقول ويتجنب مخاطبة العواطف، وثالث يهتم بالسرد التاريخي، ورابع يهتم بالتحليل، اعتماداً على قول القرآن الكريم «إن في قصصهم لعبرة».

هذه الديباجة كلها بأنفاسها بعطرها تكمل محور الحسين ورسالته، حتى الناعي الذي يصعد المنبر وينعى إنما هو أدى دوراً ليس بالسهل أبداً.

يجب على الخطيب الحسيني أن يعدّ العدّة لهذه المناسبة. والتجهيز هنا، يتمثل بالعلم والإخلاص لله تعالى والشجاعة، وأن يحمل الخطيب الحسيني الثقافة العالية التي تشمل الثقافة الحوزوية والجامعية والعصرية، وأن يعرف لغة هذا الجيل، لان لغة الشباب تختلف عن لغة الشيوخ، ولغة الأميين تختلف عن لغة المثقفين، فالخطيب الحسيني يجب ان يعرف لمن وفيمن يخطب؟ إن كان للمثقفين يجب أن يعرف عقليتهم، بل تكون ثقافته أعلى منهم، أو يخطب بين الأميين يعرف عقليتهم، وهكذا إذا خطب بين العلماء والمثقفين، حتى يكون كلامه ومنبره مؤثراً.

وبما أن المنبر الحسيني يمثل وزارة إعلام بالكامل، فإن المسؤولية أمام الخطيب ثقيلة وكبيرة جداً، لكن بالمقابل تدر فوائد كبيرة على الأمة، إذا كان الخطيب الحسيني ومنبره ناجحين.

والنقطة الأخرى هي إدارة المجالس فكلما كانت إدارة المجالس تعبّر عن رغبة إرادة الجماهير الحسينية في المنطقة وتتميز بالنظام من جهة، والأخلاق الحسنة والتعامل الراقي بين الجميع من جهة أخرى.

وأن يسهم المستمع في طرح ما ينبض به فكره ويبرز أهم المشاكل التي تتصدر أولويات المجتمع. وعلى الخطيب أن يقدم أوراقه للمستمع ويركز على ما يحتاجه المستمع ويتفضل بتوجيه ذلك للجمهور المستمع له، لأننا في هذه الليالي يجب أن نركز على القضايا والمشاكل الأسرية وغيرها التي تحيط بنا من مختلف الجهات.

وأن يضع الخطيب استبيان لكل ليلة وحلول لهذه المشاكل بمساعدة جمهور المستمعين مستغلًا تواجد فئات عمرية مختلفة، من طلاب وأكاديميين، يفتح لهم محور المشاركة وطرح الأفكار لأن توثيق العلاقة بين الخطيب والمستمع أصبح شيء ضروري ومهم في عصرنا هذا، بذلك ستكون مجالسنا في توهج وتفاعل من الجميع عندما يكون الخطيب قد أسهم في إعطاء دورا لهذا المستمع والذي حضر ليستفيد ويفيد أسرته ومجتمعه، ومحاولة ربط المعلومة التي يلقيها الخطيب في الجانب العقائدي والتربوي والعاطفي بما ورد في كتابه الكريم وأحاديث النبي وأهل بيته صلوات الله عليهم ليشعر المستمع بأنه قد أخذها من الأصول والمنابع الصافية وليست تحريضات أو اجتهادات شخصية أو تقليدية ما انزل الله بها من سلطان لتكون الكلمة لها أعظم الأثر في النفوس للمعلومة التي يتحدث عنها وانشداد المستمعين نحوها وتركزها في نفوسهم وتفاعلهم معها.

المواكب الحسينية: «ومن يعظم شعائر الله فأنها من تقوى القلوب»

يجب أن تكون هناك هيئة خاصة للمواكب تتفرع إلى لجان خاصة تشرف على المواكب الحسينية وموحدة في القطيف، تكون اللجنة منتخبة من الشباب المؤمن المثقف بفكر نبض المنبر من شعراء ومفكرين وأدباء، وتحتوي اللجنة عدة لجان ايضا للنظام، والإعلام، والضيافة، ومن كافة مناطق القطيف على غرار الفعاليات والأنشطة الأخرى عندما تتظافر الجهود والطاقات الحسينية المثقفة تحت لواء حسيني واحد بعيدًا عن التشنج والعنصرية، فالحسين بذل مهجته في سبيل العدل والمساواة وسمو الأخلاق.

هكذا نحيي الشعائر الحسينية التي هي صناعة للفكر والحضارة والسلوك الإنساني الراقي هكذا نجتمع تحت لواء الإمام الحسين بالحب والسلام وبسمو الأخلاق وبنظافة قلوبنا وبيئتنا بانسجامنا في مجالسنا ومواكبنا وضيافتنا نبتعد عن التنافس والتشنج والمناظرة لتقوية المجالس الحسينية تمثل الطريق الناجح لبناء الاستقرار الأخلاقي والنفسي للشخصية الإنسانية لأن الإمام الحسين فكر إنساني وعطاء بلا حدود. فشعائر الله تعالى هي كل شيئ يقودنا ويذكرنا ويدلنا عليه سبحانه وتعالى وتعظيمها دليل على تقوى القلوب.

إن عملية تحصين المجتمع ليست عملية سهلة، إنها عملية بناء على أنقاض الماضي الذي امتد أربعة عشر قرناً بميراثها الثقيل وتجاربها المريرة.

إن هذا الطريق مليء بالبركات، ولو أن علماء الدين والمبلغين والخطباء سعوا في هذا الطريق بما يليق بشهر محرم وأبدعوا وابتكروا وقاموا بجهود مخلصة مصحوبة بالأعمال الفكرية والعلمية القيّمة لازدادت البركات على ما كانت عليه بأضعاف مضاعفة. لذا فعلينا جهد إمكاننا أن نسعى جميعاً في هذا المجال.

نسأل الله تعالى أن يثبّت لنا قدم صدقٍ عنده مع الحسين وأصحاب الحسين، الذين بذلوا مهجهم دون الحسين ، في الدنيا والآخرة، إنه نِعمَ المولى ونعم النصير.

علي حسن آل ثاني كاتب في الشبكات المواقع والصحف المحلية والخليجية