كي لا يصبح أطفالنا إرهابيين

تحت عنوان «أطفالنا إرهابيون» كتب منصور النقيدان، الكاتب السعودي المعروف، مقالته الأسبوعية في جريدة الاتحاد الإماراتية، حول انشار أفكار التطرف بين فئة المراهقين. فقد سنحت له الفرصة للحديث مع أحد المسؤولين في سجن المباحث العامة في القصيم، حيث صُدِم، كما يقول، من الأعداد الكبيرة التي أصبح السجن يغص بها من المراهقين الذين يسمونهم الأطفال من سن الخامسة عشرة حتى التاسعة عشرة، وفيهم عائدون كُثر من سوريا والعراق، لافتاً إلى أن سنوات طويلة من التعاطي مع هذه الفئة قد أقنعت وزارة الداخلية مؤخراً بإشراك وزارة الشؤون الاجتماعية لتكون شريكاً في وضع البرامج التي تساعد هذه الفئة وإعادة تأهيلها، مشيراً إلى أن الخبرة لدى وزارة الداخلية من التجارب السابقة لِمن هم دون سن الثامنة عشرة بإحالتهم إلى دار الملاحظة الاجتماعية أثمرت كثيراً من المشاكل، وأفرزت ظواهر سلبية وخطرة، حيث ضُعف المتابعة، وسهولة الاحتكاك، وعدم وجود الرقابة الصارمة للأشخاص الخطرين ضمن هذه الفئة.

وينقل النقيدان عن أحد المسؤولين في مكتب حقوق الإنسان في الوزارة قوله: «لقد أكدت خبرتنا أن انتشار الفكر الغالي ضمن هذه الفئة يسري كالنار في الهشيم كلما كانوا أبعد عن رقابة الأجهزة الأمنية التي تكاد تتحمل وحدها هذا العبء الكبير، لكننا أشركنا الجهات الأخرى لتحمل نصيبها من العبء، وخصوصاً الرعاية الاجتماعية لأهالي السجين وأبنائه».

والسؤال بعد هذه الخلاصة هو: كيف تمكنت أفكار التشدد والغلو والتطرف من خطف عقول هؤلاء المراهقين الأطفال من صغار السن، والاستحواذ عليهم، وتهريبهم خارج البلاد تحت عناوين ومسميات دينية، ومن ثم العودة بهم مرة أخرى لتنفيذ مآرب المنظمات الإرهابية، واستباحة دمام المسلمين، والإقدام على قتل الآمنين القائمين الركع السجود، الذين يؤدون صلواتهم مطمئنين في المساجد طلباً لرحمة الله وغفرانه وابتغاء مرضاته؟

إن المتابع لما يكتب في الصحافة يلحظ كثرة الدعوات إلى محاربة آفة التطرف، والفكر الإرهابي البغيض، والقيام بعمليات المراجعة والتقويم، والمتابعة الحازمة في المناهج الدراسية، ونقد طرائق التعليم وأساليبه ومناهجه، وتوجيه أنشطة الشباب، وطرائق المناصحة، وتتبع منابع الفكر الضال، والدعوة إلى تحصين الأجيال الناشئة، وحمايتها من الوقوع في شراك التطرف والإرهاب، والعمل على صياغة ثقافتها من جديد.

إن مواجهة مشكلة التطرف المنتشر بين الأجيال الناشئة، والتصدي لتحدي الظاهرة الإرهابية، يتطلب تأسيس ثقافة مختلفة، لا تكون مرتهنة ومستلبه إلى عقد الماضي وأحداثه التاريخية ونصوصه التراثية. وهذا لن يكون إلا من خلال إحلال ثقافة جديدة تتبلور من خلال تثقيف الأجيال الجديدة وتعليمها القيم الخلاقة التي تزيح عنها ثقل الماضي وأعبائه.

وهذا لا يعني إغفال أهمية وضرورة استحضار «كل» المخزون القيمي الإنساني المتعالي الذي جاء به الدين، من أجل المساهمة في تهذيب النفس البشرية، وضبط نزعاتها الشريرة، فالإنسانية اليوم بحاجه إلى هذه الثروة القيمية المخزونة في باطن النصوص الدينية، والتي هي بحاجه إلى عمليه بحث وتنقيب فيها، واستخراج ما هو مجهول ومغيب من معانيها الخلاقة، وتحويلها إلى منظومات ومشاريع أخلاقية وثقافيه يستفيد منها الإنسان وكل البشرية.

ففي زمن تكثر فيه النِزاعات العدوانية والقهرية والعنفية، والنَزعات المادية والأنانية والشهوانية، وينتشر فيه الفساد الأخلاقي والقيمي، وتتراجع فيه القيم الروحية والإنسانية، فإننا أحوج ما نكون إلى ترسيخ تديُّن روحي يتّسم بالحب والتطهّر والروحانية الإنسانية، يقرّب البشر من بعضهم البعض، ويعزز المشترك الإنساني فيما بينهم، يرحم فيه الإنسان أخيه الإنسان، وينظر إليه بصفته إما أخ له في الدين، أو نظير له في الخلق، بعيداً عن الفهم والقراءات التي تكرس مفاهيم الصراع على الهويات الدينية والمذهبية والطائفية، والتي لا تتورع عن بذر سموم الكراهية بين بني البشر، ولا تتورع عن سفك الدم الحرام.

للحديث تتمة.....