ثورة الجياع

تعتبر الظروف الاقتصادية من أكبر العوامل التي تتحكم في حركة الأمم والشعوب، فهي التي تساهم في حركة الأمة سواءً حركة علمية او اجتماعية أو سياسية، وهي التي تساهم في استقرار الأوضاع العامة للبلاد، وبفضلها يتوجه الناس نحو العلم والمعرفة في حالة الرخاء الاقتصادي، او نحو الجريمة أو حتى الثورة والعصيان في حالة الفقر والبطالة والحاجة، نظراً لما للإنسان من حاجات فسيولوجية ملحة لابد له من اشباعها وهي تأخذ من تفكيره الكثير كما يقول العالم ابراهام ماسلو، والتي تبدأ بالتنفس والطعام والماء والنوم والجنس والتوازن، وتنتقل الى حاجات الأمان سواءً الأمن الجسدي والوظيفي والأسري والصحي، وهي التي تؤثر في استقرار الإنسان النفسي والذي ينعكس على استقرار المجتمع والأمة!

ينقل التاريخ ان اول ثورة جياع حدثت في مصر ضد الملك «بيبي الثاني نفر كارع » في عام 2278 - 2184 ق م، والذي كان من السلالة السادسة في مملكة مصر القديمة، حيث تولى الحكم وعمره «6» سنوات بعد وفاة والده، وبقي في سدة الحكم «94» سنة، اهدر خلالها الكثير من اموال الشعب على حروب عبثية وبذخ وافراط ولعب بمقدرات الأمة مما ساهم في تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، وانتشرت المجاعة وبلغ الفقر حداً لا يحتمل، أدى الى ثورة شعبية عارمة استطاعت ان تطيح به وبسلالته المالكة! وتوالت بعدها الثورات التي كان محركها العامل الاقتصادي، فمع تردي الأوضاع الاقتصادية وبلوغ الفقر حداً كبيراً تنهار كل الحواجز النفسية ضد الحاكم والنظام ويتحول الانسان بسبب الجوع الى وحش تسيطر عليه حالة من العنف تدفعه الى سلوك تصرف غير محسوب وغير متزن.

الأمر ذاته حدث في فرنسا التي استمرت في ثورتها ضد الجوع من العام 1789 الى العام 1799 والتي كانت من اصعب الفترات التي مرت على فرنسا حيث شهدت الكثير من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية وسالت الدماء واسقطت على اثرها الملكية واسست بعدها النظام الجمهوري، على يد القائد نابليون.

مصر وليبيا وتونس واليمن ولبنان والكثير من الدول العربية التي شهدت حركات مطلبية لتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية، كان المحرك الاقتصادي هو السبب وراء الكثير منها، وقبلها إيران حدثت فيها ثورة عارمة اسقطت الشاه كان من اهم أسبابها هو الجانب الاقتصادي، ربما لم تسلم دولة على مر التاريخ من اضطرابات أو انقلابات وثورات كان المحرك الاقتصادي أكبر العوامل المؤثرة فيها.

كما ينقل عن الإمام علي " عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه