محاولات أموية لتشويه شخصيات كربلائية

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين

لا يخفى على أحد أن واقعة الطف كانت ولا زالت ذات صدى مؤثر وشديد الوقع على كلّ أموي ظالم، بل كانت هي السبب في دمار الدولة الأموية وافتضاح أمر يزيد ومن جاء بعده..

ومن هنا حاول الأمويون ومن كان على شاكلتهم تشويه صور أبطال كربلاء أو طمس خبرهم أو اصطناع مودّة بينهم وبين الأمويين لا سيما الذين نقلوا إلينا الواقعة وكان لهم الدور الإعلامي في ذاك العصر لنشر مظلومية الإمام الحسين - ع -، وسنتعرض لذكر بعض الشخصيات التي تعرضت لمحاولات التشويه الأموية والشخصيات هي: الإمام الحسين ، والإمام زين العابدين ، وأبو الفضل العباس ، ومحمد بن الحنفية ، والسيدة سكينة ، والسيدة رقية .

1. الإمام الحسين :

روج أبواق بني أمية أنه خرج لطلب الحكم وطمع في السلطان، وذلك بسبب تغرير أهل العراق به!

فقد روى الطبري: لما دنا عمرو بن الحجاج «أحد قادة الجهاز الحاكم الأموي في الكوفة» من أصحاب الحسين كان يقول: يا أهل الكوفة الزموا طاعتكم وجماعتكم ولا ترتابوا في قتل من مرق من الدين وخالف الإمام، فقال له الحسين : يا عمرو بن الحجاج أعليَّ تحرِّض الناس أنحن مرقنا من الدين وأنتم ثبتُم عليه؟ أما والله لتعلمن لو قد قُبِضت أرواحكم ومتم على أعمالكم أينا مرق من الدين ومن هو أولى بصلي النار.

«تاريخ الطبري - الطبري - ج 4 - ص 331»

وفي نفس المصدر أيضًا في كتاب للوليد بن يزيد بن عبد الملك «125 - 126هـ» إلى رعيته إشارة إلى ذلك، قال: “ فتتابع خلفاء الله «يريد الخلفاء قبله» على ما أورثهم الله عليه من أمر أنبيائه، واستخلفهم عليه منه لا يتعرض لحقِّهم أحد إلا صرعه الله، ولا يفارق جماعتهم أحد إلا أهلكه الله، ولا يستخف بولايتهم ويتهم قضاء الله فيهم أحد إلا أمكنهم الله منه، وسلطهم عليه، وجعله نكالا وموعظة لغيره. وكذلك صنع الله بمن فارق الطاعة التي أمر بلزومها، والأخذ بها ”

«تاريخ الطبري ج: 7 ص: 223 سنة 125»

لاحظ عزيزي القارئ كلامه من قوله «لا يعترض لحقهم أحد إلا صرعه... إلخ» والإمام الحسين - ع - قد اعترض على أمر يزيد الذي هو خليفة أموي قبله، فهو يشير إلى أن الله هو من انتقم من الحسين - ع -.

لكن الحقيقة لا يمكن أن تغطى بغربال فالإمام الحسين - ع - قد أجاب في خطبته أن خروجه لإصلاح الدين وليس لمطلب دنيوي فاني حيث قال:

«إنّي ما خرجت أشراً ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الاِصلاح في أُمّة جدي، وشيعة أبي علي بن أبي طالب فمن قبلني بقبول الحقّ فاللّه أولى بالحقّ، ومن ردّ على هذا أصبر حتى يقضي اللّه بيني وبين القوم بالحقّ وهو خير الحاكمين» بحار الاَنوار: 44|329.

علما أنّ هذه الفكرة قد بقية راسخة في أذهان من انحرف عن خطّ أهل البيت واتبع نهج بني أمية وبنس مروان:

فقد قال ابن القيم في كتاب «المنار المنيف ج1 ص 151»: «القول الثالث أنه رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من ولد الحسن بن علي يخرج في آخر الزمان وقد امتلأت الأرض جورا وظلما فيملأها قسطا وعدلا وأكثر الأحاديث على هذا تدل وفي كونه من ولد الحسن سر لطيف وهو أن الحسن رضي الله تعالى عنه ترك الخلافة لله فجعل الله من ولده من يقوم بالخلافة الحق المتضمن للعدل الذي يملأ الأرض وهذه سنة الله في عباده أنه من ترك لأجله شيئا أعطاه الله أو أعطى ذريته أفضل منه وهذا بخلاف الحسين رضي الله عنه فإنه حرص عليها وقاتل عليها فلم يظفر بها والله أعلم»

وكذلك محمد الخضري بك «تاريخ الدولة الأمويةج2» قال: «إن الحسين أخطأ خطأً عظيماً في خروجه هذا الذي جر على الأمة وبال الفرقة والاختلاف وزعزع عماد ألفتها إلى يومنا هذا»

2. الإمام علي بن الحسين - ع -

حاولت بعض الأقلام تلفيق مودة بينه وبين مروان، بل جعلوا من هذا الأخير متفضلا على الإمام في شرائه للجواري وإنجاب الأبناء!

حيث يروي ابن عساكر بسنده عن الأصمعي قال: لم يكن للحسين بن علي عقب إلا من ابنه علي بن الحسين ولم يكن لعلي ولدا إلا من أم عبد الله ابنة الحسن وهي ابنة عمه فقال له مروان بن الحكم أرى نسل أبيك قد انقطع فلو اتخذت السراري لعل الله أن يرزقك منهن فقال ما عندي ما اشتري به السراري قال فأنا أقرضك فأقرضه مائة ألف درهم فاتخذ السراري وولد له جماعة من الولد ثم أوصى مروان لما حضرته الوفاة أن لا يؤخذ منه ذلك المال

[تاريخ دمشق لابن عساكر ج41 ص 374 طبعة دار الفكر]

وينقل الذهبي قصة أخرى كالآتي: عن الزهري، قال: كان علي بن الحسين من أفضل أهل بيته، وأحسنهم طاعة، وأحبهم إلى مروان، وإلى عبد الملك!

[سير أعلام النبلاء للذهبي ج 4 ص 389 ط مؤسسة الرسالة]

وهذا الكلام لا يمت للحقيقة بصلة فلا يوجد علاقة حب ومودة بين مروان أو عبد الملك مع الإمام زين العابدين أبدًا، وما ذكر هو محاولة فاشلة لجعل الخلاف بينهم مجرد خلاف سياسي انتهى بقتل الحسين الشهيد .

3. أبو الفضل العباس بن علي :

اتهم أبو الفضل سلام الله عليه أنه قدم أخوته للقتال ليقتلوا ويرثهم، وهذه التهمة تضحك الثكلى ولا تستحق حتى الرد لأن أي عاقل فكيف سيرث العباس أخوته بحجة أن لا ولد لهم مع وجود أمه أم البنين - ع -؟

روى ابن الأكثير في الكامل في التاريخ ج4 ص76 «وزعموا أنّ العبّاس بن علي قال لأخوته من أُمّه وأبيه عبد اللّه وجعفر وعثمان: يا بني أُمي تقدّموا حتّى أرثكم، فإنّه لا ولد لكم، ففعلوا وقتلوا»

وقال أبو الفرج الأصفهاني بمقاتل الطالبيين ص 55 «قدّم أُخوته لأُمه وأبيه، فقتلوا جميعاً، فحاز مواريثهم، ثُمّ تقدّم وقتل فورثهم وإياه عبيد اللّه، ونازعه في ذلك عمّه عمر بن علي، فصولح على شيء رضي به»

4. محمد بن الحنفية:

ولأنه شخصية مهمة في بني هاشم وله دور في ثورة المختار الثقفي اتهم أنه يمدح يزيد

يروي البلاذري: أن محمد بن علي بن أبي طالب - المعروف بابن الحنفية - دخل يوماً على يزيد بن معاوية بدمشق ليودعه بعد أن قضى عنده فترة من الوقت، فقال له يزيد، وكان له مكرماً: يا أبا القاسم، إن كنت رأيت مني خُلُقاً تنكره نَزَعت عنه، وأتيت الذي تُشير به علي؟ فقال: والله لو رأيت منكراً ما وسعني إلاّ أن أنهاك عنه، وأخبرك بالحق لله فيه، لما أخذ الله على أهل العلم عن أن يبينوه للناس ولا يكتموه، وما رأيت منك إلاّ خيراً.

[أنساب الأشراف للبلاذري ج5ص17]

و يروي ابن كثير أن عبد الله بن مطيع - كان داعية لابن الزبير - مشى من المدينة هو وأصحابه إلى محمد ابن الحنفية فأرادوه على خلع يزيد فأبى عليهم، فقال ابن مطيع: إن يزيد يشرب الخمر ويترك الصلاة ويتعدى حكم الكتاب، فقال محمد ما رأيت منه ما تذكرون، قد حضرته وأقمت عنده فرأيته مواظباً على الصلاة متحرياً للخير يسأل عن الفقه ملازماً للسنة، قالوا: ذلك كان منه تصنعاً لك، قال: وما الذي خاف مني أو رجا حتى يظهر إليّ الخشوع؟ ثم أفأطلعكم على ما تذكرون من شرب الخمر، فلئن كان أطلعكم على ذلك فإنكم لشركاؤه، وإن لم يكن أطلعكم فما يحل لكم أن تشهدوا بما لم تعلموا، قالوا: إنه عندنا لحق وإن لم نكن رأيناه، فقال لهم: أبى الله ذلك على أهل الشهادة، ولست من أمركم في شيء.

البداية والنهاية «8/233» وتاريخ الإسلام - حوادث سنة 61 - 80هـ - «ص274»

وهذا الكلام مجرد كذب بواح فمتى استطاع ابن الحنفية أن يزور يزيد كي يراه يصلي؟

5. السيدة سكينة بنت الحسين - ع -:

اتهمت سلام الله عليها بأبشع التهم لا سيما في كتاب الأغاني لأبو الفرج الأصفهاني حيث جعل منها امرأة فاسدة تهوى الطرب وأن الشعراء يجتمعون ببيتها وكلام لا أحبذ ذكره راجع الجزء الأول ص 67 من كتاب الأغاني.

ولا يخفى علينا أن هذه الاتهامات هي أكاذيب مفضوحة لهذه السيدة الجليلة التي رأت رزايا عاشوراء وعاشت باقي عمرها حزنًا وألمًا على ما رأته من مصائب.

كذلك حتى في زواجها اتهمت بأنها تزوجت الكثير من الرجال حيث قالوا أنها تزوج بعد عبد الله بن الحسن حسب التسلسل بـ مصعب بن الزبير وعبد الله بن عثمان بن عبد الله وزيد بن عمرو بن عثمان وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، والأصبغ بن عبد الله بن مروان فراجع أنساب الأشراف ج2 ص139و الطبقات الكبرى ج16ص 158 وتاريخ دمشق ج69ص205.

ومن الواضح والجلي أن هذه الزواجات مختلقة مصطنعة ولا يليق بامرأة عاشت بعد واقعة كربلاء مفجوعة تنعى أباها وأهلها وتروي للناس ما جرى بكربلاء والحق ما ذكره الطبرسي - رحمه الله - أنها تزوجت بعبد الله بن الحسن - ع - كما يروي بأعلام الورى ج1 ص418

ولو نظرنا لراوي هذه الزواجات المزعومة نجد أنه الزبير بن بكار وهو نسابه امتهن الكذب والدجل لأغراض سياسية، كما أنه يبغض أمير المؤمنين كما قال عنه الشيخ المفيد - رحمه الله - في كتاب المسائل السروية، والثابت للسيدة سكينة أنها تزوجت من ابن عمها عبد الله الأكبر بن الحسن ولم يثبت أنها تزوجت غيره من بعد استشهاده.

6. السيدة رقية «فاطمة الصغرى» بنت الحسين - ع -:

هذه الطفلة المظلومة التي ماتت ألمًا وحسرة على أبيها في الشام حاول الأمويون مسحها من التاريخ بالكامل بحيث لا تكون هناك طفلة للحسين - ع - ماتت ودفنت بالشام، ولكن الإرادة الإلهية أبت إلا الانتصار لهذه الطفلة المظلومة لتظل علامة باقية على مظلومية الحسين - ع - وسبي نسائه وأطفاله.

أما الكتب التاريخية التي ذكرتها فسأذكر مصدرين أحدهما من الشيعة الآخر من المخالفين:

المصدر الشيعي كتاب لباب الأنساب لعلي بن زيد البيهقي المعروف باسم ابن فندق المتوفي سنة 565هـ وهذا الكتاب فرغ من كتابته عام 558هـ والمؤلف أحد علماء الطائفة وقد قدم للكتاب آية الله العظمى السيد شهاب الدين المرعشي النجفي رضوان الله عليه فقال في مقدمته: من أهم ما ألف في هذا الشأن وأجداها وأنفعها ص8 ج1 لباب الأنساب.

ولاحظ أن المؤلف من القرن السادس وأن المؤلف من علماء الطائفة ونسابة إضافة إلى مدح السيد المرعشي النجفي للكتاب في مقدمة الجزء الأول من الكتاب ص 8 طبعة مكتبة المرعشي النجفي بقم، مع العلم بأن المرعشي النجفي من أشهر نسابة في عصرنا.

يذكر حينما تعرض لأبناء الإمام الحسين - ع - قائلاً: ولم يبقى من أولاده - أي الحسين - ع - إلا زين العابدين وفاطمة وسكينة ورقية. لباب الأنساب ج1 ص355

المصدر الثاني كتاب كامل البهائي وهو كتاب فارسي ترجم منه جزء ومؤلفه عماد الدين الطبري من قال عنه الشيخ عباس القمي في منتهى الآمالي: الشيخ الجليل والعالم الخبير الحسن بن علي الطبري المعاصر للعلامة والمحقق.

والعلامة هو العلامة الحلي والمحقق هو المحقق الحلي فالمؤلف معاصر لهما ومتوفي في العام 675هـ.

في هذا الكتاب نقل نصًا عن كتاب آخر اسمه الحاوية في ذكر مثالب معاوية، وقد اختصر اسم الكتاب فقال فقط الحاوية، وهذا الكتاب يذكر مثالب معاوية للمؤلف القاسم بن محمد المأموني المتوفى عام 448هـ أي في القرن الخامس وهو من علماء العامة

فينقل عماد الدين الطبري في كتابه كامل البهائي عن كتاب الحاوية قضية رقية كاملة كما ننقلها بتفاصيلها مع ما ذكر بخربة الشام، ولكنه لم ذكر أن اسم الطفلة التي ماتت رقية. كامل البهائي «بالفارسية» ج2 ص 179

ورغم هذا النقص الكبير في مصادرها إلا أنّ الكرامات والمعجزات التي تظهر في قبرها الشريف تقطع الطريق على كلّ منكر ومشكك في هذه البنت الطاهرة التي تعتبر شاهدا حيا على جرائم بني أمية.

ولكن رغم كل هذه المحاولات لتغيير الحقائق وطمسها تبقى قضية عاشوراء خالدة مدى الزمان ويبقى الحسين خالدًا في قلوب كل من والاه.