الحراك في مواجهة (برمجة الإجرام) و (شيطنة المناضلين)

 

 

قد يتبادل في الوهلة الأولى ان مفهوم (المعارض السياسي) هو ذاك الشخص الذي يخالف الرأي السائد سلطويا، ويقوم بمعارضة سياسة النظام بشكل دائم. ولكن في الحقيقة ليس بالضرورة أن  يقدِّم المعارض الرفض دائما، بل هو مجرد شخص له رأي يختلف عن رأي السلطة  أو الأغلبية الشعبية في (شيء) أو لا يوافق البعض الآخر حول (كل) شيء.

و بعكس الأنظمة الليبرالية التي تستند الى "أن مصلحة المجتمع ككل، تتحقق حتما من خلال عمل كل فرد فيه على تحقيق مصلحته الخاصة" ؛ لهذا اعطت المعارضة الحق في التعبير عن رأيها احتراما للمساواة ذاتها(حرية المعارضة السياسية)، ذهبت الأنظمة  التي تتبنى نظرية وحده المجتمع، و تطرفت فيها لدرجه إلغاء حرية الأفراد فيه ( مذهب الوحدة المطلقة) كالهيجليه والماركسية والنازية والفاشية و الملكية القبلية... إلى الرفض المطلق لمفهوم المعارضة السياسية. و عليه أعتبرت أي معارضة حالة إجرامية وجب القضاء عليها، لاسيما تلك المعارضة التي لها أرضية جماهيرية، و ذات تأثير مباشر في الناس، و صاحبة الحجة القوية بحيث يصعُب الرد عليها ودحض مآخذها، لهذا تقوم هذه السلطات قبل التجهيز عليها و لاسيما في زمن صارت التصفية السياسية أصعب من سابقه، تعمد السلطات أولاً إلى تشويه صورتها في ذهنية العالم.

والشيطنة أيسر سبل الحاكم وأقصرها للمحاسبة والعقاب، و لا أعني هنا حصرا في أفراد أو جماعات، بل قد تشمل بلدات و مدن، فيعتمد الطاغوت على حملات إعلامية موجهة و تنطوي على كم هائل وضخم من الإشاعات والمغالطات والأكاذيب، وهو ما يرمي في النهاية الى تكوين صورة قبيحة ومقززة "شيطانية" للخصوم أمام الرأي العام  ليمهد الطريق لإتخاذ أي إجراء عسكري أو سياسي يراه مناسبا.

كـ شيطنة الأخوان المسلمين اليوم في مصر، أو شيطنة الشيعة على مستوى العالم، أو شيطنة حزب الله و حماس و غيرهم من الحركات الإسلامية المناهضة لإسرائيل، و بالتالي التبرير لقمعهم و التضييق عليهم و رميهم في السجون، أو محاصرتهم اقتصاديا، و سياسيا أو حتى عسكريا.

و لعلى أقذر صور الشيطنة التي يقوم بها الطاغوت و أتباعه حينما يعتقل المصلحين من العلماء الربانيين و المثقفين و جموع الرساليين، و يزجهم في سجونه، و يضعهم امام محاكم هزلية تفتقر لأبسط أنواع العدالة، و يصنفهم في إعلامه بالمشاغبين و المجرمين و الإرهابيين، و يطلق العنان في الشارع للمجرمين و الدجالين ليعيثوا في الأرض فسادا، ثم يقوم بعملية خلط للإنفلات الأمني الواقع الذي أوجده هو، و يديره عبر منشآته الأمنية، بقصد ربطه بالحراك السياسي و الحقوقي الحاصل في الشارع. و في الحقيقة أن الخطورة تكون في أن هذا الإنفلات الأمني، و التصاعد في مستوى الجريمة الحاصل، هو مبرمج و ممنهج و مخطط  بقصد اغتيال الحراك السلمي. هذا النمط تقف ورائه وتباركه وتغذيه وتشجعه اعلاميا او ماديا او معنويا او سياسيا، نظام الطاغوت الذي يحاول أن يغتال قيّم الثورة في نفوس الناس، و يخيفهم بعصى الفوضى و الإنفلات في حال غيابه أو ضعف سلطته.

و غاية الطاغوت اليوم هو أن يتراجع الشعب عن حراكه و ثورته بدون أن يقدم أي تنازلات سياسية أو حتى إجتماعية، و لكن من يضحي بالحرية من أجل الأمن ... لا يستحق الحرية و لا يجد الأمن، فما معنى لحياة الإنسان إذا سُلبت منه حريته، وأصبحت أفكاره وتصرفاته خاضعة لإرادة غيره؟ لكن إذا حاكمنا بين الأمرين برويّة، نجد أن غير الآمن "قد" يستطيع الهرب إلى مكان آمن مثلاً، أما الذي لا يملك حريته فلا يمكنه فعل شيء؛ ويمكن للصورة أن تتوضح أكثر إذا تخيلنا الحقوق كلها في غياب الحرية التام، فنرى أنه لا وجود للحقوق أصلاً، فإلغاء حق الحرية يلغي كل الحقوق الأخرى.

لهذا من المهم على الشارع الثائر أن يكون واعي لمؤامرات الطاغوت و أساليبه القذرة في الحط من عزيمته في مسيرته السلمية لينال حقوقه، و من الضروري أن يرفع صور قادته، و مثقفيه، و مناضليه الذين غيبهم في السجون، و أن يجدد التبشير بأفكارهم. و الأهم أن يلتف الناس حول القادة الرساليين الموجودون اليوم في الساحة، و الذي يحاول الطاغوت النيل من قدرهم، و تخويفهم، و إرهابههم بأساليبه البوليسية القذرة. الساحة ليست وحيدة، و القادة الرساليين موجوديين في كل مكان و وقت، و إن غيب الطاغوت قائد رباني، فهناك من يحمل رايته، و فكره، و منهجه، و يستطيع قيادة الساحة لبر الأمان، حتى نيل الحقوق، و الإفراج عن القيادة الربانية.