لا يأس مع الثورة.. ولا ثورة مع اليأس

 

 

 

 

قبل أيام كنت أتحدث مع أحد الأصدقاء عبر السكايبي في مواضيع شتى، و يبدوا أن صاحبي هذا يشعر بحالة من اليأس تجاه الثوار و الثورات عموماً، فحتى الثورة المصرية أو التونسية هو يعتقد بأنهم لم  و لن يصلوا إلا أي شيء، و أن الأرواح التي راحت في الثورة الليبية لم تمهد لدولة ديمقراطية حقيقية، بل انتقلت من دكتاتورية إلى دكتاتورية أخرى، و من وصايا (قذافية) إلى وصايا غربية سلفية، و الحال أسوء في اليمن، فكل ما تغير هو صورة الرئيس، و انتقلت إلى نائبه، هذا في دول تعتبر ثوراتها قد أتمت معظم المشوار، فكيف بدول و مناطق مازالت تجاهد نحو النصر و تقدم الأرواح في سبيل حريتها.

صاحبي هذا محبط كثيراً، حتى مع تلك الثورات و الحراكات التي لم تنتهي بعد، يقول أن الناس ما عادت حتى تتفاعل معها كالسابق، و رغم أن كلامه فيه شيء كبير من الصحة؛ و لكن هذا لا يعني أن يتقاعس الناس عن السعي نحو الحرية و الإصلاح و بناء دولة ديمقراطية حقيقية، تعطي كل ذي حقِ حقه، بلا تمييز عرقي أو طائفي أو حتى قبلي، بل هذا يدفع الثورات التي مازالت تسعى إلى الحرية، و يستدعي منها أن تصحح مساراتها، و تستفيد من أخطاء الآخرين.

غُلِبَتِ الرُّومُ... النصر و الغلبة

نقرأ في مطلع سورة الروم ﴿ الـم . غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ يقول سماحة آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي(دام ظله) في سياق تفسيره لهذه الآيات "ربنا يقول (الم ، غُلبت الروم ، في ادنى الارض و هم من بعد غَلَبهم سيَغلبون، في بضع سنين) فإلى هنا لا يوجد اي ذكر لله سبحانه وتعالى وامره ، لكن فجأة يقول الله (لله الأمر من قبل و من بعد و يومئذ يفرح المؤمنون، بنصر الله) فلماذا تبدلت طريقة الكلام؟ لماذا – و الحديث عن الروم- قال الله (بنصر الله ينصر من يشاء) ولم يقل ( بنصر الروم)؟" الأسباب المادية و الأسباب الغيبية هنا امر دقيق ، وهو ان غلبة الروم على الفرس أو العكس هي سنة من سنن الله في عالم الخلق. فكل من امتلك قوة أكثر وتدريبا أفضل وأسلحة أكثر تطوراً يربح الحرب. وهذا ما نؤمن به أيضا، حيث نقرأ في القران الكريم خطابا للنبي (صلى الله عليه و آله) (واذ غدوت من اهلك تبوأ المؤمنين مقاعد للقتال) فالنبي (صلى الله عليه و آله) في حرب بدر قام بترتيب الجنود ترتيبا عسكريا ، وحينما عرف الرسول عن اختراع سلاح جديد في اليمن ، أرسل من يتعلمه.

فمن جهة لابد أن يهيئ الإنسان مقدمات الفوز وهذا ما يرتبط بعالم الخلق ، ولكن هناك ما يرتبط بعالم الأمر لذا يكون ( بنصر الله ) فالنصر من عند الله سبحانه".

و هنا مسألة مهمة لتحقيق النصر و الغلبة أشار لها سماحة السيد المرجع المدرسي(دام ظله) في تفسيره لسياق الآية الكريمة و هي مسألة العمل و التوفيق، و هي ضرورة السعي و العمل، و ترك النصر و التوفيق لله، و لكن هذا لايكون إلا عندما يكون العمل خالص لله سبحانه و تعالى.

فكثيرا ما نجد أن هناك صعاب أمامنا و لكن -سبحان الله- ترى تلك الصعاب تذلل بالذات أمام تخبط الطواغيت في تعاملهم مع هذه الثورات، فما كنت تراه مستحيل بالأمس تراه ممكن اليوم، و ماكان يحلم به آباء الأمس تراه أمام عينك اليوم. فكل شيء يتقزم أمام ما يجري وبشكل لا يجد الإنسان له تفسيرًا غير أن الله عز وجل –بمشيئته وحوله وقوته- يهيء الدرب لراية النصر والظفر وإن كره الكافرون، ومن لوازم هذا الصراع المصيري أن يشمخ اليأس في نفوس المؤمنين من كل شيء سوى الله تبارك ذكره (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ)، فالنصر إذن حليف من لا يراهن على غير الله جلَّ شأنه، فلا عدو ولا صديق، ولا مخالف ولا موالف، ولا معارض ولا موالٍ.. الله وفقط، وهذا إذا كانت تلك الثورة و ذاك الحراك على مطلب حق لا يداخله أمر دنيا، أما إن داخله فإما أن ينقينا الله عز وجل بشكل من الأشكال وإلا فالمصير إلى طرد من المعادلة –والعياذ بالله-، وهذا ما لا يرجوه المؤمنون.