أنا محسود! ماذا أفعل؟

كثيرا ما يعلق بعض الأشخاص ما يحل بهم من مشاكل أو أزمات أو أمراض أو حتى فشل في أمور حياتهم على تعرضهم للحسد، وأنهم لولا ذلك لكانوا في نعمة يُحبَرون، ولتمكنوا من تحقيق النجاح تلو النجاح والإنجاز بعد الإنجاز.

وسيادةُ مثْل هذا النمط من التفكير عند شخص ما سيكون له من الآثار المدمرة على حياته ومستقبله ما لا ينكره ذو لب. فهو يصوّر المرء ضحيةً لعوامل خارجة عن ذاته، وأنه ليس له من الأمر شيء في إدارة ذاته وحياته ومصيره، وبالتالي تنتفي مسؤوليته عن أي سيئة تصيبه، إذ لا إرادة له في ذلك، وهذا من اللوازم الخطيرة التي لا تتفق مع المفاهيم القرآنية الراسخة في هذا الشأن، كقوله تعالى: «ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ» وقوله تعالى: «وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ».

فنحن، من حيث المبدأ، لا ننكر وقوع الحسد، وقد تحدثنا عن ذلك فيما مضى، كما لا سبيل لإنكار مسألة العين والإصابة بها، وقد تطرق لذلك معظم المفسرين عند قوله تعالى: «وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ». يقول صاحب تفسير الميزان: «والمراد بإزلاقه بالأبصار وصرعه بها - على ما عليه عامة المفسرين - الإصابة بالأعين، وهو نوع من التأثير النفساني لا دليل على نفيه عقلا وربما شوهد من الموارد ما يقبل الانطباق عليه، وقد وردت في الروايات فلا موجب لإنكاره». ولكنا، مع ذلك، نؤمن بأن لا شيء من الحسد أو العين هو علة تامة لوقوع المكروه في المحسود أو المعيون. إذ نرى بالوجدان الكثير من الناجحين في مختلف مجالات الحياة يتقلبون في نعيم نجاحاتهم دون أن يتمكن الحاسدون من إفشالهم أو التأثير سلبا في مساراتهم.

في ظل ما سبق، يمكن أن نجيب على السؤال المطروح: أنا محسود! ماذا أفعل؟

سنذكر جوابا على ذلك مجموعة من الإرشادات الهامة:

1 - احذر من تهويل أمر الحسد وتضخيم مسؤوليته عما يجري لك في حياتك، وركز على مسؤوليتك أولا.

2 - كن واقعيا، وتعامل مع الحسد والحاسدين بواقعية. فلستَ أول المحسودين ولا آخرهم، ولا يمكنك بحال إزاحة الحسد عن مشهد الوجود.

3 - كن على يقين بأنه لن يصيبك شيء إلا بإذن الله، فاجعله وكيلك في كل أمورك: «قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلاَّ ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» «ِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ» «ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» «وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ».

4 - لا تكن كتابا مفتوحا في شؤونك الخاصة. فقد ورد عن النبي : «استعينوا على أموركم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود». ومما يؤسف له أن كثيرا من الأشخاص في وقتنا الراهن أساؤوا استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فأصبحوا ينشرون فيها كل ما يتعلق بحياتهم وحركتهم لحظة بلحظة، ويتباهون بذلك.

5 - احذر مدعي المعرفة المعالجين بالأوهام، والجأ بصدق لخالقك، وتمسك بما ورد في الشرع من علاج بالقرآن كالمعوذتين وغيرهما، وبالمأثور في الروايات المعتبرة. فالقرآن كما قال تعالى: «وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ» «قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ»، وورد في الدعاء: يا من اسمه دواء وذكره شفاء.

شاعر وأديب