سيدنا أبا عدنان «تعقيب وتتميم»

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلّ على محمد وآل محمد

تردّدت كثيراً قبل كتابتي لهذه السطور، وذلك لردود الأفعال التي وصلتني بعد نشري للمقال الأول الذي كان بعنوان «قراءة نقدية في أطروحات السيد أبي عدنان»، فالبعض هشّ وبشّ لرؤية هذه القراءة وجعلها فرصة لتصفية حساباته، والبعض الآخر من مريديه فهموا أنّ لي مشكلة شخصية مع السيد ومع المصلّين في المسجد ومع...!

قبل كتابتي لأي تعقيب أعلنها صريحة أنّنه لا توجد مشكلة شخصية بيني وبين السيد أبي عدنان، وقد بلّغت مسؤول موقع المطيرفي عندما اتصل علي في نفس الليلة التي نشرت فيها مقالي الأوّل، وذكرت له أنّي ممّن حضر تحت منبره أكثر من مرّة وأنّه لا مشكلة عندي البتّة في الالتقاء بسماحته...

أمّا بالنسبة للمصلّين فلا أدري كيف فهم البعض أنّي أسأت إليهم؟! إذ أنّ غاية ما طرحته هو تعجب منّي عن سبب سكوتهم وعدم تعليقهم على هذه الاشتباهات رغم حثّ السيد المتواصل لهم على عملية النقد وعدم مجاملة الخطباء فيما يطرحون على المنابر، علما أنّ في الحضور بعضاً من أصدقائي وزملائي في الدراسة كما لا يخفى على كلّ قريب منّي.

كلّ هذه الضجّة كانت متوقّعة بسبب عدم تعوّد مجتمعنا على النقد الذاتي الذي يهدف إلى تصحيح مسار الخطاب الديني وإصلاح حال المنبر المعاصر، بل صرنا نعتبر أنّ كلّ نقد هو حالة عدائية بين طرفين أشبه ما يكون بحلبات المصارعة الحرّة يحاول كلّ طرف فيها إسقاط الآخر وتثبيته على الأرض!

«وطبعاً لست أعني التشجيع على كل نقد دون قيود وقد كتبت مقالة قديمة حول قضية النقد بعنوان «صنمية النقد» أوضع فيها ذلك».

أمّا غير المتوقّع بالنسبة لي فهو ردّ السيد أبي عدنان على ما ذكرته، إذ قال في خطبته الأخيرة بعنوان «العلم والإيمان أساس الكمال الإنساني 12» في الدقيقة 4: 52 «ولست مسؤولا عن المصدر في مقام الخطبة وإنّما المصادر موثقة ومحكمة ضمن ما نصدره من مجموع خطب الجمعة وإلى الآن أصدرنا عشر مجلّدات... فمن يبحث عن مصدر ويحمل الصدق والمصداقية مع نفسه عليه أن يراجع المجموعة وأما ما يصدر هذا العام فعليه أن ينتظر مصادره ولست ممن يحمل الحطب عن غيره..»

سيدنا أبا عدنان:

بعد الشكر والثناء لاهتمامك بما كتبت من نقود على ما طرحتموه أريد أن أخبركم أنّي لست من الذين يريدون من غيرهم أن يحملوا حطبهم عنهم، فقد تعلّمت ولله الحمد أن أدقّق وأبحث عن كلّ ما يقال، ولست ممّن يتلّقون المعلومة بسهولة دون تمحيص، واعلم أنّه بمجرّد أن سمعت خطبتكم في الأسبوع المنصرم راجعت المصادر وصدمت بالنتيجة فلذلك اضطررت لكتابة هذه القراءة النقدية، علما أنّ عدد الاشتباهات هو 25 اشتباها لكنّي اكتفيت بعشرة، وكانت عندي نية المواصلة لولا الضجّة التي حصلت...

سيدنا أبا عدنان:

إنّ مجموع خطب الجمعة الذي صدر لكم هو نتاج عشر سنوات خلت من أطروحاتكم على منبر جامع الإمام الحسين ، فما طرح قبل عشر سنوات طبع قبل بضع شهور فقط، فهل تطلبون منّي أن أنتظر عشر سنوات أخر لكي يتسنّى لي معرفة المصادر التي استندتم عليها؟!

يقول العرب من أحالك على غائب ما أنصفك، وجنابكم لم تنصفوني بهذا الجواب صراحة، فأنا لم أطلب منكم أن تحضروا المصادر في الخطبة وتذكروا الجزء والصفحة بل طلبت منكم شيئا واضحا وهو أن تبينوا النقاط التي اشتبهت علي، فإنّي رجعت إلى المصادر المختلفة سواء المطبوع أو الإلكتروني ولم أجد شيئا ممّا ذكرتموه، ومن منطلق حرصي على السلامة الفكرية للمستمع كتبت مقالي، فهل جزائي أن أصبر عشر سنوات لأحظى بشرف الحصول على المصادر؟!

سيدنا أبا عدنان:

لو ابتغيتم نفقا في الأرض أو سلّما في السماء لما وجدتم مصدرا واحدا يقول:

محمد خدابنده صاحب القصة المعروفة هو حاكم صفوي

أو العلامة الحلّي معاصر للأسترآبادي

أو أنّه من المثبتين لحكم الدولة الصفوية

أو... أو... أو...

لا أريد الرقم الذي ذكرتموه وأتبعه المصلّون بالصلوات، بل أريد مصدرا واحدا لكلّ نقطة ذكرتها في المقال المتقدّم ذكره سواء منكم أو من اللجنة المختصّة التي أشرتم لها وأشدتم بها، وقد تمنّيت أن تشيروا إجمالا للمصادر لينتفع الجميع بدلا عن الحديث عن عصير التفاح وبركة الصباح والنوم مبكّرا فإنّها أمور شخصية لا ينفعنا العلم بها ولا يضرّنا الجهل بها، المهمّ بالنسبة إلينا صحة ما يطرح على المنبر من معلومات تمسّ تاريخنا وحاضرنا وتؤثر في مستقبلنا.

سيدنا أبا عدنان

وصلني ردّ من اللجنة المشرفة على محاضراتكم ذكروا فيه أنّه تمّ بضوء أخضر منكم وقد سعدت بهذا كثيرا، لكنّي لمّا قرأته خاب ظني أكثر: فمن مجموع 10 اشتباهات لم يتعرّضوا إلّا لخمسة منها:

الأول: دعوى المعاصرة بين العلامة الحلّي والأمين الأسترآبادي، وقد أقرّوا بأنّ ما ذكرتموه كان اشتباها منكم وسبق لسان وهذا ما تمنّيناه أن يصدر منكم لا منهم وتصحّح المعلومة لعامّة الناس.

الثاني: قضية نسب الصفويين، وقد أوّلوا تعبيركم بـ «أبناء العمومة» وجعلوه ناظرا للقومية لا للنسب، ويكفينا هذا المقدار لبيان أنّ الطرح بهذه الصورة هو اشتباه فعلا لأنّ التعبير بابناء العم يستعمل للدلالة لعلقة النسبية لا غير.

وقد تعرّض السيد في خطبته الأخيرة في الدقيقة 9: 51 إلى نسب الصفويين وأصرّ على أنّهم أتراك وليسوا موسويين وتحدّى بذلك كل من يقول غير هذا الكلام، وأنا أقبل هذا التحدّي من السيد أبي عدنان في مناقشة نسب الصفويين هل هم أتراك كما ادعى في خطبته أم لا؟!

علما أنّه سخر من المصدر الذي استشهدت به، وذكرت بدقّة تاريخ تأليفه حيث أنّ المؤلف عاصر جدّ هذه الأسرة وفرغ من هذا الكتاب قبل قرنين من قيام هذه الدولة، وفي المقابل احتجّ بكاتبين معاصرين، الأول توفي 1945م والآخر معاصر!

والأعجب من هذا إحالته على كتب أحمد كسروي الذي يعتبر من أوائل المشككين في هذا النسب، وهو المؤلف الإيراني الذي طالما هاجم الإسلام وأساء للدين والمذهب ودعا للرجوع إلى إيران ما قبل الإسلام، ولذلك عرّض به الإمام الخميني رضوان الله عليه في كتابه كشف الأسرار واعتبره من السائرين على خطى ابن تيمية، فكيف يروج السيد لكتبه من على منبر الجمعة؟!

وفي نفس الوقت ضرب بعرض الحائط أقوال علمائنا الأعلام - الذين لا يختلف اثنان في علمهم وفقههم وأنّهم من أهل التحقيق لا التقليد - في إثبات نسب الصفويين بل إثبات تشيعهم منذ جدّهم الأول صفي الدين الأردبيلي...

الثالث: قضية طلاق خدابنده، وقد ذكروا أنّ السيد ليس في مقام سرد الخبر التاريخي بل هو ينقل ما يذكره الخطباء، وهذا المقدار أيضا كاف بالنسبة لي لأنّه يوضّح فعلا الاشتباه الذي وقع فيه كلّ من سمع الخطبة وظنّ أنّ مراد السيد نقل الحادثة فعلا، علما أنّي لم أسمع طيلة حياتي خطيبا واحدا نقل أنّها رؤيا منام ولا يوجد من أهل السنة من يفتي أنّ الطلاق في عالم الأحلام يترتّب عليه الأثر.

الرابع والخامس: مطاعن بحار الأنور وتفسير البرهان وقالوا أنّها «مسألة رأي ووجهة نظر» وهذا أعجب العجاب، فالحديث عن مطاعن البحار ليس مسألة وجهة نظر إذ الكلام حول موضوع خارجي، هل المطاعن التي حرّم السيد البروجردي رضوان الله عليه طباعتها 3 أو 5 أو 7؟ أي اجتهاد في ذلك؟

أمّا مصادر تفسير البرهان فنحن لسنا بصدد تقييمها والحديث عن حجيتها، بل بصدد الإجابة على هذا السؤال: هل مصادر روايات تفسير البرهان معروفة أم مجهولة؟ ظاهر كلام السيد في المحاضرة الجهل بمصادرها والحقّ أنّ السيد البحراني رضوان الله عليه لم يترك رواية واحدة إلّا وقد ذكر مصدرها، فأين هي معركة الآراء بين العلماء؟!!

أمّا الخمس اشتباهات الأخرى فقد سكتت اللجنة عنها ولم تجب ولا ندري هل هو إقرار بأنّها السيد قد جانبه الصواب فيها؟ أم هم بصدد البحث عن أجوبة عليها في الـ46 مصدراً، ستكشف لنا العشر سنوات المقبلة حققيقة الأمر!!!

وعلى كلّ حال أنتظر من اللجنة الموقّرة الجواب على الخمس شبهات الأخرى التي سكتوا عنها والتعقيب على الملاحظات التي دونتها في هذا المقال، كما أنتظر من السيد أبي عدنان ردّه بخصوصِ قبولي لتحدّيه حول مناقشة نسب الصفويين وهل هم أتراك كما ادعوا أم لا؟!

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
حسين السلمان
[ الأحساء_الرميلة ]: 31 / 3 / 2017م - 12:28 ص
احسنت رحم الله ولديك كلام مرتب وموزون وهنيا لك ل غيرتك ع المذهب الديني وبالتوفيق وحشرك الله مع الحسين عليه السلام

اللهم صل على محمد وال محمد
2
رضا
[ الاحساء ]: 1 / 4 / 2017م - 7:43 م
الحقيقة بين الإنصاف والاستهداف

عبد الأمير مهنا
وأنا أتصفح موقع «المطيرفي» استوقفني مشهد دعاني للكثير من السأم والأسف على ما يراد لنا أن نصل إليه من مستويات في الحوار والتعاطي مع الآخر. وتمثل ذلك في مقال لأحد الشباب وهو (يتصدى) لسماحة السيد محمد رضا السلمان (أبو عدنان) يتصيد من إحدى خطبه أخطاءً (واشتباهات)، ناشراً مقاله تحت عنوان برّاق: قراءة نقدية في أطروحات السيد أبي عدنان.
ولا يعنيني هنا الدفاع عن سماحة السيد أبي عدنان، فهو ليس في الموقف الضعيف، ولا بالمتهم، وله من اللسان والبيان والجنان والقلم ما لا يحتاج معها إلى أحد مثلي، بل صرّح مراراً وتكراراً أنه ليس بحاجة لمن يدافع عنه حتى ابنه عدنان. كما أنه لا يعبأ بمثل هذه الأمور، ولن تفتّ في عضده، وقد صارع وخبر ما هو أكبر منها وأشد. إلا أن الذي استوقفني ذلك المستوى من التعاطي مع الظواهر الفكرية المحيطة بنا، سواء كانت سلبية في نظرنا أم إيجابية، وأين وصل بنا الحد من اتباع الهوى في هذا الإطار، وكيف أن الهوى أصبح الصنم الخفي الذي نعبده ولا نشرك به شيئاً.
كنت أتمنى أن أرى مقالاً ثائراً من هذا الشاب وأمثاله يتصدى فيه لتطاول أطفال صغار لبسوا العمائم في قناة (صوت العترة) على الشيخ الوائلي، الذي علّم الجميع كيف ينطقون، وكان ذلك في زمن الصمت، حيث أخرست الألسن التي نرى الكثير منها انطلق اليوم في أجواء الترف والدعة. أو تجاوزاتهم على رموز المذهب العظام من أمثال الشهيد الصدر، والإمام الخميني، والسيد حسن نصر الله وغيرهم، أو تطاولهم على المرجعية الدينية جهاراً نهاراً. بل تطاولهم على عموم الشيعة في العالم إلا من كان على نهجهم وطريقتهم العرجاء.
كنت متشوقاً أن ينتفض هذا الشاب للتصدي لعبد الحليم الغزي في قناة القمر، الذي يتهم علماء الشيعة والمؤسسة الدينية برمتها في كل يوم أنهم تآمروا (مؤامرة إبليسية) على حديث أهل البيت (ع) وأنهم ينطلقون من الفكر الناصبي الشافعي حسب زعمه، وما يبثه من سموم بشكل دائم ومستمر وسط سكوت الجميع المطبق.
كم كنت أتطلع أن يُكتب مثل هذا المقال لمناقشة أحمد الكاتب الذي يطعن بأقدس المقدسات عندنا، وينكر بشكل صارخ ولادة الإمام المهدي (عج)، بل ينكر الإمامة بالمطلق، ويبث سمومه في كل حين.
كم أشعر بالحاجة أن تنشغل هذه الأقلام بحركات الانحراف الفكري التي تكتسح الساحة، كحركة اليمانيين في العراق وغيره، أو حركات الإلحاد وغيرها.
بل كنت أتمنى أن يمتعضوا ولو بخجل مما يطرحه بعض الخطباء على المنابر من نسبة المهازل لأهل البيت (ع) في تفسيرات ما أنزل الله بها من سلطان، كما في تفسير قول أمير المؤمنين (ع): ولا يرقى إليّ الطير، بأن الطير هو (وحدة قياس) لمقام المعصوم وليس الطير الحقيقي! كما يقول أحد الخطباء الذي كان وما يزال منذ سنوات لم يجد من يقف في طريقه ليقول له: صه، فقد أفسدت دين محمد!.
أو ما يبثونه عبر وسائل التواصل من الروايات المصطنعة التي لم يحوها كتاب، ولم يخلق رواتها بعد، بل لا نشك أن الكثير منها يصنع في مخابرات بعض الدول للتلاعب بعقولنا.
هل هذه وأمثالها أقل شأناً من (نسب الصفويين) مثلاً، أو وضع الضمة أو الفتحة على الحاء في لفظ (الحلي) أو أقل خطراً من خطأ أو وهم وهمه السيد في خطبته ـ على سبيل الفرض ـ لا يمس عقيدة ولا مفهوماً إسلامياً؟
ومن العجيب أن صاحب المقال يستشهد بكلام السيد ودعوته لنقد ما يطرح على المنابر، فيبدو أن الكاتب لم يرُق له ذلك، بل يستفزه كثيراً، وبدل أن يساند السيد ويقف معه في هذه الدعوة الرائعة، فتح فوهة مجهره على كلامه فقط، وترك سيلاً من الخرافات والانحرافات التي ما انفكّ بعض الخطباء وغيرهم يبثونها بلا هوادة، حال أن السيد لم يدعُ لمتابعة (أنساب الأشخاص والدول) ولا اللحن اللغوي الذي لم يسلم منه مقال الكاتب المذكور أيضاً، فلسنا في مدرسة ابتدائية ولا مدرسة لمحو الأمية.
إن سماحة السيد يدعو باستمرار أن يلتزم المتكلم والمحاضر والمتحدث جانب الدقة في نسبة ما يطرحه إلى الدين والشريعة، وبالخصوص ما يتعلق بالآيات أو الروايات وترتيب الأثر عليها، لا أن يلاحَق الخطيب في أخطاء نحوية أو لغوية ربما سبق إليها لسانه، أو ربما أخطأ فيها حقيقةً، وجلّ من لا يخطئ. وإلا فلا يكاد يخلو خطيب أو متحدث من ذلك على الإطلاق.
وثمة أمر آخر لا بد من الإنصاف فيه، هو أن الخطيب المنبريّ يختلف عن الكاتب، ولا أظن هذا الشاب اعتلى منصات الخطابة ولا منابرها، ولا خبر هذا الجانب على الإطلاق، فالخطيب أو المحاضر يعتمد أسلوباً خطابياً يختلف عما هو عليه عند الكاتب، فهو يستطرد ويكرر ويحاول التأثير بصرياً وسمعياً بالحضور، ويورد الكثير من المعلومات الداعمة التي قد يصححها أو يحذف بعضها أو يعدّلها عند الكتابة، وهذا ما نراه في جميع الخطب المكتوبة لأعلام المنبر وخطباء الجمعة والمحاضرين والعلماء، ومنها خطب الجمعة لسماحة السيد نفسه، فالمكتوب هو النهاية التي يُعتمد عليها، وخلاصة الفكرة التي يريد طرحها. وهذا الأمر يجري حتى في تقريرات الدروس لمراجع التقليد والمجتهدين.
ولكن ما رأي الشاب المذكور أنه أخطأ مراراً وهو يكتب، مع أن له المندوحة في المراجعة والتصحيح؟ وهل نهبط لما هبط إليه فنقول: إنه قال: مسجد الإمام الحسين عليه السلام، والصحيح: جامع الإمام الحسين؟ أو أنه كتب (الإسلوب) بالكسر وهي بالضم؟ أو أنه كتب (الإستفهام، والإشتباه، والإنتماء، وإسم، وإثنان، وإلتزم) بهمزة القطع، فهو لا يفرق بين الهمز والقطع؟ أو أنه قال: صفويا النسب، والصحيح: صفويّ النسب؟ أو أنه قال: فبين العلامة رضوان الله عليه وهذه الدولة مائتي سنة، والصحيح: مئتا (بالرفع)؟ وقال: سبع مجلدات، ثلاث مجلدات، والصحيح سبعة، ثلاثة؟
هل هذا مبلغ ما عند هذا الكاتب الذي يفترض أنه كتب مقاله في أجواء هادئة وراجعه قبل نشره، ولم يلقه من فوق منبر أو منصة؟
أما عن اعتراضاته التي حاول إيصالها إلى (عشرة كاملة) فهي لا تنمّ إلا عن استهداف واضح لشخص السيد، إذ كان يتتبع كل شاردة وواردة حتى الضمة في (الحلّي) فلو كان يبتغي بذلك وجه الله وتصحيح الخطأ، وتقويم الأود، لما نشرها على الملأ العام وهو يعتقد جازماً أنها أخطاء، فهذا ليس من الدين في شيء على الإطلاق، ولا من خلق أهل البيت (ع) بل إنه يدخل في باب تتبع العثرات. وقد ورد عن رسول الله (ص) أنه قال: «يا معشر من أسلم بلسانه ولم يخلص الإيمان إلى قلبه: لا تذمّوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم،‏ فإنه من تتبع عوراتهم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله تعالى عورته يفضحه ولو في بيته»().
وليسأل الكاتب نفسه بينه وبين الله تعالى: ما هي المصلحة التي تترتب على كشف ما اهتدى إليه من (اشتباهات) إن كانت كما يزعم؟ وهل هناك سوى إلزام السيد بدعوته لتنقية الخطاب الديني من السفاسف والتخريف والمنامات والأحلام وعدم فسح المجال للمخرفين والمتطفلين؟ وهل هذه دعوة باطلة؟
أما عن المفردات العشر التي أوردها الكاتب فلا أدري هل أناقشها جميعاً أم لا؟ وما هي الجدوى من مناقشتها؟ هب جدلاً أن السيد أخطأ في تأريخ معين، أو خطر في ذهنه أحد الأعلام وهو يريد آخر، كما يحصل في توارد أسماء الأعلام في الذهن، ثم صحح ذلك في خطبته المكتوبة كما شاهدنا في النص المكتوب، فهل هذا يستحق أن يجهد القارئ نفسه كل هذا الجهد؟ وهل يحقق أكثر من أن يُثبت للقارئ أن السيد أخطأ في خطابه ثم صحح الخطأ؟
مع أنني عندما استمعت للخطبة بعد قراءة المقال، وجدت في المقال الكثير من التعسف والظلم بحق السيد، وأن هناك دخائل في النفوس لم تجد لها متنفساً إلا في هذه السفاسف.
ففي نسب الصفويين مثلاً أظهر الكاتب جهله بأن كون الصفويين من الأتراك هو أحد الآراء المعتمدة لدى الباحثين، وربما كان الرأي الأقرب للصحة()، والسيد أبو عدنان أخذ بهذا الرأي المطروح مسبقاً ولم يأت به من عنده، أما الكاتب فيعتقد أن نسب الصفويين من العرب (السادة) ويتصور أنه الرأي الوحيد.
أما كتاب صفوة الصفا فقد ألفه أحد المناصرين لصفي الدين الأردبيلي، المريدين له، وهو ابن بزاز الأردبيلي، الذي ألفه في أحوال وأقوال وكرامات الشيخ الصوفي المذكور، وقد ملأه بالحكايات والأحلام والأساطير، حتى جعل النبي (ص) يبشر بهذا الشيخ ويخبر بظهوره وكذلك إخبار أولياء الله بذلك(). أما عن كراماته المزعومة فحدّث ولا حرج، ولا يخفى على كل منصف قرأ الكتاب أن مؤلفه لم يتجاوز في تأليفه الأحلام والحكايات والأساطير عن الجن والحيوانات وغيرها، ومثل هذه المصنفات لا قيمة لها في مساحة البحث العلمي التاريخي إطلاقاً، ولا يمكن الاعتماد عليها بحال من الأحوال. بل إنني عند قراءتي الكتاب حمدت الله كثيراً أن صفي الدين الأردبيلي لم يكن شيعياً، وإلا لأصبحنا موضع سخرية الآخرين إلى يوم الدين.
ولسنا هنا بصدد الإثبات أو النفي، فهذا الرأي مطروح، ولكن عليه الكثير من الإشكالات، خصوصاً إذا عرفنا أن دعوى الانتساب لأهل البيت (ع) ادّعاها الكثير من الحكام والسلاطين لما فيها من الشرف الذي ينتفع به السلطان لتوسيع القاعدة الشعبية وجلب القدسية لنفسه، ولعل الكاتب يجهل أن صدام حسين التكريتي ـ وهو لقيط مجهول النسب ـ ادعى الانتساب لأهل البيت (ع) وكانت شجرة عائلته المزعومة تعلق في أضرحة أهل البيت (ع) في العراقّ!. بل أصدر السيد المرجع قبل أيام فتوى تحرم الانتساب لأهل البيت (ع) بعد انتشار ظاهرة ادّعاء النسب إليهم بشكل فاحش.
فما هو الضير أن يحيد السيد أبو عدنان عن هذا الرأي ليتبنى رأياً آخر مطروحاً أيضاً وفيه الكثير من الوجاهة، سيما أنه ثابت لدى مؤرخي إيران أمثال رسول جعفريان وغيره؟ ولدى بعض الباحثين العرب أيضاً؟
صحيح أن الأمر لا يستحق كل هذا البحث، إلا أن الكاتب المذكور كشف عن جهله بالرأي الآخر، أو تعمد إغفاله ليظهر السيد بمظهر المخطئ، وهذا كل همه.
لا أريد أن أطيل كثيراً في هذا، ولا في سائر النقاط التي سوف أتناولها في مقال آخر إن رأيت ذلك ضرورياً ولازماً. لكنني أقول لهذا الكاتب: لقد ارتكبت عظيماً، وظلمت رجلاً لا يريد أن يجني من وراء تحركه سوى هدايتك وأمثالك، فإن أخطأ فنسأل الله له المغفرة، وإن أصاب فجزاه الله خيراً، ولا ندّعي لأحد العصمة لا له ولا لغيره، ولا يدعيها هو لنفسه، لا سيما أننا في زمان أحوج ما نكون فيه إلى من هو دونه بكثير، فكيف برجل مثله، له ما له من التاريخ العريق والعمق الأسري والرصيد العلمي؟!
أتمنى أن تستغفر الله أولاً، وتنيب إليه، وأن تطلب الصفح ممن أسأت إليه قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة، ولا أظن أن السيد لم يصفح عنك إلى الآن، لأنه أكبر بكثير من هذه الحصيات الصغيرة التي يُرمى بها من هنا وهناك. وكلّي أمل أن نسمو بمستوى الخطاب لما هو أرقى من ذلك بكثير، وأن لا تستهلكنا هذه الدوائر الصغيرة فالمسؤولية أثقل بكثير.
وللحديث بقية إن شاء الله.