الشَّيْخُ الوَحِيدْ .... الشَّيبَةُ المَهِيبةْ

اِنْتَشَرَ مَقْطَعٌ صَوْتِيٌّ لِلشَّيْخِ الوَحِيدِ حَفِظَهُ الله بِاللُّغَةِ الفَارِسِيِّةِ يَدَّعِي فِيهِ بَعْضُهُم أَنَّهُ يُفْتِي بِالوجِوبِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَنْبُشَ قَبْرَ الشَّيْخَيْنِ وَيُخْرِجُ رُفَاتَهُمَا*

فَتسَائلَ أَحَدُهُمْ هَلْ يَعْنِي أَنَّ اِلْفِقِيهَ قَدْ يَدْخُلُ فِي الخَرَفِ كَمَا هُوَ البَشَرُ أُمْ هُوَ فَوْقَ البَشَرِيَّةِ؟

الجَوَابُ:

إِنَّ هَذَا المَرْجِعَ العَظِيمْ وَالعَالِمَ اِلْفِقِيهْ وَالشَّيْخَ الجَلِيلْ صَاحِبُ الشيّبةِ المَهِيبَةِ المُسْلَّمُ لَهُ بالورعِ وَالتَّقْوَى وَالعِلْمِ وَالإِيمَانِ والدِّقةِ والإتقانِ وَقُوَّةِ الحِفْظِ وَسُرْعَةِ البَدِيهَةِ مِنْ قِبَلِ شانئيهِ وَ مبغضيهِ، وَ مَحَاوَلَي تَسْقِيطَهِ وَالهُجُومِ عَلَيْهِ فَضْلًا عَنْ مُحِبِّيهِ وَتَلَامِذَتِهِ فَقَدْ تَكَسَّرَتْ نِصَالُ المُهَاجِمِينَ فِي أَقْوَاسِ أَصْحَابِهَا قَبْلَ أَنْ يُطَلِقُوهَا وَخَنَعَتْ رِقَابُ الحَاقِدَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعُوهَا فَمِنْ يَصِفُ عَمَامَتَهُ بالغثة المَطْوِيَّةِ عَلَى السُّوءِ [١] لَمْ يَمْلِكْ سِوَى أَنْ يُخَالِفَ الوَاقِعَ بِالتَّمَايُلِ وَالتَّحَايُلْ والجُحُودِ والإِنْكارِ فَالعَاجِزُ عنِ الإِنتاجِ وغَيْرُ المُتَمَكِّنِ من الإِبداعِ لمْ يَجِدْ طَرِيقَا للأَضواءِ ولا سَبِيلا للإِحْتِفاءِ سِوى إِثارَةِ الفوضى والعَيْشِ عَلى الضَّجِيجِ والأَكْلِ مِنَ الفُتَاتِ فاخْتَارَ الصُّعُودَ مِنْ بَوَّابَةِ التُّوهِينِ لِرمْزِ الطَّائِفَةِ وأُسْتاذِ حوزَتِها بَعْدَ أن أعْياهُ المسْلَكُ العِلمِي والمشْرُوعُ الفِكْرِي حتَّى خانَتْهُ الحِساباتُ لِيُقِرَّ وَيَعْتَرِفَ لَهُ بِالفَضْلِ وَالمَرْجَعِيَّةِ وَ الأستاذية كَمَا اِعْتَرَفَ لَهُ سَابِقًا بِأَنَّهُ المَرْجَعُ الكَبِير، الَّذِي لَا يُشَقُ لَهُ غُبَارٌ، وَيُشَكِّلُ قَلْعَةً فِي عِلْمِ الأُصُولِ وَلَا يُجَارىَ إِذْ يجْتَمَعُ تَحْتَ مِنْبَرِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفِي طَالِبٍ مُحَصِّلٍ وَهَذَا فِي مُنْتَهى وَأَوْجِ العَظْمَةِ وَالاِقْتِدَارِ [٢].

🔴🔴🔴🔴🔴

إِنْ مِمَّا عُرِفَ عَنْ أَسَاطِينِ هَذَا المَذْهَبِ هُوَ عِلْمُهُمُ الغَزِيرُ وَاِطِّلَاعُهُمْ الوَاسِعُ وَبَرَاعَتِهِمْ المُنْقَطِعَةُ النَّظِيرِ فِي فُنُونٍ المُنَاظَرَةِ وَالاِحْتِجَاجِ وَالكَلَامِ حَتَّى شَهِدَ لَهُمْ بِذَلِكَ المُخَالِفُ والُمؤالِفْ، إِذْ هُمْ مِمَّنْ وَصَلَ بِهِمْ الحَدُّ إِلَى العَلَاقَةِ بِمَا لَدَى المُخَالِفِينَ حَدَّ الدِّرَاسَةِ وَالتَّلْمَذَةِ فَكَانُوا عَلَى مَرِّ العُصُورِ صُرُوحًا شَامِخَةً وَقِلَاعًا حَصِينَةً وَأَصْحَابَ أَيَادٍ أَمِينَةٍ فِي خِدْمَةٍ الدِّّين وَرِعَايَةِ المُؤَمِّنِينَ بِالإِرْشَادِ وَالتَّوْجِيهِ وَالأَحْكَامِ وَ الفتيا وَالتَّأْلِيفِ وَالتَّصْنِيفِ حَتَّى أَقَرَّ لَهُمْ بِالفَضِيلَةِ وَشَهِدَ لَهُمْ بِالرِّئَاسَةِ العِلْمِيَّةِ وَتَرْجَمَ لَهُمْ النواصبَ فِي أُمَّهَاتِ الكُتُبِ ومِنْهُمُ:

١ - الحَارِثُ الهمدانِي: رُوِيَ عَنْ اِبْنِ أَبِي دَاوُدُ: كَانَ الحَارِث الأَعْوَرُ أَفْقِهَ النَّاسَ وَأَفْرِضَ النَّاس وَاَحْسَبَ النَّاس، تَعَلَّمْ الفَرَائِضَ عَنْ عَلّي.. قُلتُ: كَانَ الحارِثُ مِْن أوعِيَةِ العِلم... [٣]

٢ - العَلاَّمةُ الحِلِّي: قَالَ الصفدي: "الإِمَامُ العلاَّمة ذُوالفنون جَمَالُ الدِّّين اِبْنُ المُطَهِّر الأسدي الحِلِّي المُعْتزلي، عَالَمُ الشِّيعَةِ وفَقِيهُهم، صَاحِبُ التَّصَانِيفِ الَّتِي اِشْتَهَرَتْ فِي حَيَاتِهِ، تَقَدَّمَ فِي دَوْلَةِ خربندا تَقَدُّمًا زَائِدًا، وَكَانَ لَهُ مَمَالِيكُ وَ إِدَارَاتٌ كَثِيرَةٌ وَأَمْلَاكٌ جَيِّدَةٌ، وَكَانَ يُصَنِّفُ وَهُوَ رَاكِبٌ، شَرَحَ مُخْتَصَرَ اِبْنِ الحَاجِبِ وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي حَيَاتِهِ، وَلَهِ كُتَّابٌ فِي الإمامة رَدّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ تَقِي الدِّّين اِبْنَ تَيْمِيَّةَ فِي ثَلَاثِ مُجَلَّدَاتٍ، وَكَانَ يُسَمِّيهِ اِبْنَ المنجَّس وَكَانَ اِبْنُ المطهَّرِ ريِّضَ الأَخْلَاق، مُشْتَهرَ الذِّكْر..... وَكَانَ إِمَامًا فِي الكَلَامِ وَالمَعْقُولَات. [٤]

قَالَ ابِنُ دَاوُودْ: شَيْخُ الطَّائِفَةِ وَعَلَّامَةُ وَقَتْه وَصَاحِبُ التَّحْقِيقِ وَالتَّدْقِيقِ كَثِيرُ التَّصَانِيف اِنْتَهَتْ رِئَاسَةُ الشِّيعَةِ إِلَيْهِ فِي المَعْقُولِ وَالمَنْقُولِ. [٥]

٣ - الشَّيْخُ المُفِيدُ: قَالَ الذَّهَبِيُّ: عَالِمُ الرَّافِضَةِ، صَاحِبُ التَّصَانِيفِ، الشَّيْخُ المُفِيدُ، وَإسْمُهُ مُحَمَّدٌ بِنْ مُحَمَّدٍ بِنْ النُّعْمَان البغدادي الشِّيعِي، وَيَعْرِفُ بِاِبْنٍ المُعَلِّم كَانَ صَاحِِبَ فُنُونٍ وَبُحُوثٍ وَكَلَامٍ وَاِعْتِزَالٍ وَأَدَبْ، ذَكَرَهُ اِبْنُ أَبِي طَيِّ فِي تَارِيخِ الإماميّة فَأَطْنَبَ وَأَسْهَبَ وَقَالَ: كَانَ أَوْحَدً فِي جَمِيعِ فُنُونِ العِلْمِ، الأَصْلَيْنِ وَالفِقْهِ والأخْبارِ ومعْرِفَةِ الرِّجالِ والتَّفْسِيرِ والنَّحْوِ والشِّعر... قِيلَ أنَّهُ ما تَرَكَ للمُخالِفِينَ كِتابا إلا حَفَظَه. [٦]

٤ - الشَّيْخُ الطُوسِي: قَالَ الذَّهَبِيّ: "أَبُو جَعْفَر الطُوسِي، شَيْخُ الشِّيعَةِ وَصَاحِبُ التَّصَانِيفِ، أبو جَعفرٍ مُحَمَّدٌ بِنْ الحَسَن بِنْ عَلِيّ الطوسي.. قَدَِمَ بَغْدَاد، وَتَفَقَّهَ أَوَّلًا للشافِعي، ثُمَّ أَخَذَ الكَلَام َوَأُصُول القَوْمِ عَنْ الشَّيْخِ المُفِيدِ رَأْسِ الإماميّة، وَلَزِمَهُ وَبَرَعَ، وَعَمِلَ التَّفْسِيرَ، وَأَمْلَى أَحَادِيثَ وَنَوَادِرَ فِي مُجَلَّدَيْنِ، عَامَّتُهَا عَنْ شَيْخِهِ المُفِيدِ.... وَكَانَ يُعدُّ مِنْ الأَذْكِيَّاءِ. [٧]

٥ - السَّيِّدُ المرتضى: قَالَ الذَّهَبِي: وَدِيوَانُ المُرتَضى كَبِيرٌ، وَتَوَالِيفُهُ كَثِيرَةٌ، وَكَانَ صَاحِبَ فُنُونٍ، وَلَهِ كَتابُ الشافيّ فِي الإِمَامةِ، وَالذَّخِيرَةُ فِي الأُصُولِ، وَكِتَابُ التَّنْزِيهِ، وَكِتَابُ إِبْطَالِ القِيَاسِ، وَكِتَابٌ فِي الاِخْتِلَافِ فِي الفِقْهِ، وَأَشْيَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَدِيوَانِهُ فِي أَرْبَعٍ مُجَلَّدَاتٍ.. وَكَانَ مِنْ الأَذْكِيَّاءِ الأَوْلِيَاءَ، المُتَبَحِّرِينَ فِي الكَلَامِ وَالاِعْتِزَالِ وَالأَدَبِ وَالشَّعْرِ، لَكِنَّهُ إِمَامَيٌ جِلْدٌ، نَسْأَلُ اللهَ العَفْوَ. [٨]

٦ - الشَّيْخُ اِبْنُ بابويه: قَالَ الذَّهَبِي: "اِبْنُ بَابَوِيه، رَأْسُ الإمَامِية، أَبُو جَعْفَر مُحَمَّدٌ بِنْ العلاّمة عَلَيّ بِنْ الحُسَيْن بِنْ مُوسَى بِنْ بَابَوِيَّة اُلْقُمِي، صَاحِبُ التَّصَانِيفِ السَّائِرَةِ بَيْنَ الرَّافِضَةُ، يُضْرِبُ بِحِفْظِهِ المثلُِ، يُقَالُ: لَهُ ثَلَاثُ مِائَةِ مُصَنَّفٍ مِنْهَا: كتَابُ دَعَائِمِ الإِسْلَامِ، كتابُ الخَوَاتِيمِ، كتَابُ المَلَاهِي، كتابُ غَرِيبِ حَدِيث الأَئِمَّةِ، كتَابُ التَّوْحِيدِ، كتَابُ دِيْن الإماميّة. [٩]

وَمَا ذِكْرُهُ المُخَالِفُونَ فِي حَقِّ الرُّوَاةِ الشِّيعَةِ وَالعُلَماءِ وَأَهَلَ الفَضْل مِنْهُمْ فَلَا مَجَالَ لِإِحْصَائِهِ لِكَثْرَتِهِ وَوَفَّرَتْهِ وَقِلَّة اِطِّلَاعِي وَتَقْصِيرَي وَقُصُورِي فِي الاِسْتِقْصَاءِ.. إِلَّا أَنَّ التُّحْفَةَ النَّفِيسَةَ الَّتِي سَطَرَهَا الشَّيْخُ مُحَمَّد جَعْفَر الطبسي مِمَّا تَوَضّحُ المُرادَ وَتَفِي بِالمَطْلَبِ فَرَاجِعْ. [١٠]

وَأُمَّا مُؤَلَّفَاتِهِمْ وَتَصَانِيفِهِمْ فِي بَيَانِ العَقِيدَةِ الحقة وَمُنَاظَرَاتِهِمْ مَعَ المُخَالِفِينَ فِكْرًا وَعَقِيدَةً فَهِيَ زَاخِرَةٌ فَاخِرَةٌ:

١ - تَدْوِينُ السَّنَةِ الشَّرِيفَةِ. [١١].

٢ - الرَّدُّ عَلَى الوَهَّابِيَّةِ. [١٢].

٣ - نَقْضُ فَتَاوَى الوَهَّابِيَّةِ. [١٣].

٤ - الشافي فِي الإمامة. [١٤].

٥ - مِنْهَاجُ الكَرَامَة. [١٥].

٦ - المُنَاشَدَةُ وَالاِحْتِجَاجُ بِحَدِيثِ الغدير. [١٦].

٧ - شَرْحُ إحقاق الحَقّ. [١٧].

٨ - التَّوْحِيدُ وَالشَّرَكُ فِي القُرْآنِ. [١٨].

٩ - نَفْحَاتُ الأَزْهَارِ. [١٩].

١٠ - مَسَائِلُ خِلَافِيَّة حَارَ فِيهَا أَهْلٌ السَّنَةَ. [٢٠].

١١ - المُرَاجَعَاتُ [٢١].

وَهِيَ بِلَا شَكٍّ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصِيَهَا مَقَالي القَاصِرُ وَشَخْصِي المُقَصِّرُ نَاهِيكَ عَنْ مُنَاظَرَاتِ الأَئِمَّةِ عَلَيْهُمْ السَّلَامُ وَأَصْحَابِهِمْ الأَبْرَارُ الَّذِينَ بَذَلُوا مهجهم لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ هِيَ العُلْيَا..

🔴🔴🔴🔴🔴

تُعْتَبِرُ المُنَاظَرَةُ فِنَاً مُهْمَاً فِي التَّوَاصُلِ وَطَرْحِ وِجْهَاتِ النَّظَرِ عَلَى كَافَّةِ المُسْتَوَيَاتِ وَالأَصْعِدَةِ الدِّينِيَّةِ وَالسِّيَاسِيَّةِ وَالفِكْرِيَّةِ حَيْثُ نَالَتْ عَلَى اِهْتِمَامِ العُلَماءِ سَابِقًا وَحَدِيثًا حَتَّى أَصْبِحَ لَهَا اليَوْمَ أَكَادِيمِيَّاتٍ وَمَرَاكِزَ تَدْرِيبٍ وَتَطْوِيرٍ لِلقُدْرَاتِ وَالمَهَارَاتِ تُعْنَى بِصَقْلِ المَوَاهِبِ وَتَنْمِيَتِهَا [٢٢] كَمَا أَنْ لَهَا آدَابٌ وَأَعْرَافٌ وَقَوَانِينَ حَاكِمَةٍ مِنْهَا:

١ - مَصَادِرُ التَّحْكِيمِ: إِيجَادُ نُقْطَةِ إلْتِقَاءٍ وَمَصْدَرِ تَحْكِيمٍ يَنْطَلِقُ مِنْهُ الطَّرَفَانِ ويَرْجِعَانِ إِلَيْهِ حَالَ الاِخْتِلَافِ.

٢ - وَحْدَةُ المَوْضُوعِ: بِحَيْثُ يَكُونُ مُحَدَّدًا وَاضِحًا يُحَرّرُ فِيهِ مَوْضِعُ الاِخْتِلَافِ كَيْ لَا يَتَشَعَّبَ الحِوَارُ فَتُضَيَّعُ الفَائِدَةُ..

٣ - المَوْضُوعِيَّةُ: وَمِنْ مَظَاهِرِهَا الإِذْعَانُ لِلدَّلِيلِ بِعَدَمِ المُكَابَرَةِ وَالصِّدْقِ فِي نِسْبَةِ الأَقْوَالِ وَاِسْتِحْضَارِهَا.

٤ - الشَخصَنةُ: الاِبْتِعَادُ عَنْ الهُجُومِ عَلَى الشَّخْصِ أَوْ سِبَابِهِ وَشَتْمِهِ فَذَلِكَ يُوجِدُ حَاجِزاً نَفْسِيّاً يُبْطِلُ الحِوَارَ.

٥ - القُوَّتَان: القُوَّةُ المَعْرِفِيَّةُ الجَامِعَةُ لِلمَعْلُومَةِ وَقُوَّةِ الاِسْتِحْضَارِ المُسَمَّاةُ بِسُرْعَةِ البَدِيهَةِ عُنْصُرَان مُهِمَّان.

٦ - الإِلْزَامُ: أَنْ تَحْتَج عَلَى الطَّرَفِ المُقَابِلِ بِمَا يُلْزِمُ بِهِ نَفَسُهُ بِحَيْثُ يَكُونُ أَمَامَ الإِذْعَانِ لِلدَّلِيلِ أَوْ إِنْكَارِ ثَوَابِتِهِ

للإستِزادَةِ أَكْثَر رَاجِعْ أَدَبَ الحِوَارِ فِي أُصُولِ الدِّينِ. [٢٣]

🔴🔴🔴🔴🔴

مِنْ أَبْرَزِ الأَمْثِلَةِ الجَلِيَّةِ وَ المَصادِيقِ الوَاضِحَةِ عَلَى أُسْلُوبِ الإِلْزَامِ هُوَ مَا يَحْتَجُّ بِهِ أَبْنَاءُ الطَّائِفَةِ الشِّيعِيةِ عَلَى مُخَالِفِيهُمْ فِي حَقٍّ عَلَيّ بن أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَلَامُ فَيُقَالُ لَهُمْ:

قَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحَه: «قَالَ عَلَيٌّ وَالَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَِ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إِنَّهُ لِعَهْدُ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ ﷺ إِلِّي أَنْ لَا يُحِبُّنِي إِلَّا مُؤَمِّنٌ وَلَا يُبْغِضُنِي إِلَّا مُنَافِقٌ». [٢٤]

وَقَد رَوى البُخَارِيُّ قَوْلِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَالِهُ: «سِبَابُ المُسْلِمِ فَسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرِ». [٢٥]

وَقَدْ صَرّحَ الشَّيْخ اِبْنِ تَيْمِيَّة فِي كِتَابِهِ مِنْهَاجُ السَّنَةِ فَقَالَ:

«وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ عَلَي فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الصحابةِ وَالتَّابِعِينَ كَانُوا يُبْغِضُونَهُ وَيَسْبُونَهُ وَيُقَاتِلُونَهُ». [٢٦]

فَأَنْتُمْ الآنَ مُلْزَمُونَ مِنْ مَصَادِرِكُمْ بِالتَالِي:

١ - القَوْلُ أَنَّ مِنْ قَاتلَ عَلَياً عَلَيْهِ السَلَامُ مُنَافِقٌ لِبُغْضِهِ لَهُ.

٢ - أَنَّ قِتَالَ عَلَيّ كُفْرٌ لِكَوْنِهِ خَيْرَ مصداقٍ لِلمُسْلِمِ.

٣ - بُطْلَانُ الفِكْرَةِ القَائِلَةِ بِعَدَالَةِ جَمِيع الصحابةِ.

وَهَذَا أُسْلُوبٌ عِلْمِيٌّ بَحْتٌ إِذْ أَنَّهُ يَبْنِي النَّتِيجَةَ عَلَى مَا أَتَاحَتْهُ المُقَدَّمَةُ مِنْ دَلَالَةٍ عِلْمِيَّةٍ.

و عَلى ضَوئِهِ يُفْهَمُ اِحْتِجَاجِ الشَّيْخِ الوَحِيدِ:

يُقَالُ لَهُمْ:

قَدْ رُوى البُخَارِيُّ فِي صَحِيحَه: «فَاطِمَةُ بِضْعَةٌ مِنِّي فَمِنْ أَغَضَّبَهَا أَغَضَّبَنِي». [٢٧]

وَقَدْ رَوَى كَذَلِكَ فِي صَحِيحَه: «أَنَّ فَاطِمَةَ اِبْنَةُ رَسُولِ اللهِ سَأَلْت أَبَا بَكْر الصّديق بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ أَنْ يَقْسِمَ لَهَا مِيرَاثَهَا مِمَّا تَرَكَ رَسُولَ اللهِ مِمَّا أفاء اللهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْر: أَنَّ رَسُولَ اللهِ، قَالَ: لانورِثُ مَا تركْنا صَدَقَة فَغَضِبَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رسول اللهِ فَهَجَرَتْ أَبَا بَكْرٌ فَلَمْ تَزل مُهَاجَرَتَهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ». [٢٨]

وَقَالَ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الكَرِيمِ: «إِنَّ الَّذينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا». سُورَةُ الأَحْزَابِ: ٥٧

وَأَنْتُمْ الآنَ بِمَا تَقَدّم ذِكْرُهُ مِنْ مَصَادِرِكُمْ مُلْزَمُونَ بِالتَالِي:

١ - أَنَّ فَاطِمَةً عَلَيْهِا السَلَامُ غَيْرُ صَادِقَةٍ فِي دَعْوَاهَا وِرَاثَة فَدَكٍ فَيَنْتِجُ عَنْ هَذَا الاِحْتِمَالِ سُقُوطَ الْعَدَالَةِ لِتَعَمُّدِ قَوْلِ الكَلَامِ المُخَالِفِ لِلوَاقِعِ.

٢ - أَنَّهَا صَادِقَةٌ فِي دَعْوَاهَا فَيْنَتُج عَنْ هَذَا الاِحْتِمَالِ غَضَبُهَا الحَقُّ الَّذِي يَغْضَبُ لَهُ اللهُ وَرَسُولِهُ فَكَيْفَ تَتَرَضَّوْنَ عَمَّنْ غَضِبَ عَلَيْهِ اللهُ وَرَسُولُهُ.

٣ - إن كَانَتْ الأَرْضُ وَرِثَاً لِفَاطِمَةَ فَهِيَ مُلَكٌ لَهَا مُغتَصَبٌ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ حَقّ أَحَدٍ أَنْ يَدْفِنَ فِي الأرضِ التَرِكَةِ لِأَنَّهَا مُلَكٌ عَامٌ لسائرِ المُسْلِمِينَ وَيُنْتِجُ فِي كِلَا الحَالَتَيْنِ كَوْنُ الأَرْضِ مَغْصُوبَةٍ.

وَقَدْ وَقْفَتُ عَلَى رِسَالَةِ مَاجِسْتِيرٍ لِأَحَدِ أَعْضَاءِ هَيْئَةِ التَّدْرِيسِ بِجَامِعَةِ القَصِيمِ تَحْتَ عُنْوَان: أَحْكَامُ المَقَابِرِ فِي الشَّرِيعَةِ الإِسْلَامِيَّةِ، وَقَدْ اِسْتَقْصَى الأَحْكَامَ المُتَعَلِّقَة بالعُنْوَانِ وَذََكرَ مِنْ ضِمْنِ المَطَالِبِ صُورَاً ذَكَرَهَا فُقَهاءُ المُخالِفِينَ فَقَالَ:

١ - إِذَا دُفْنَ المَيِّتُ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ:

ذَكْرَ فُقَهاءُ الشافِعيةِ وَ الحنابِلَةِ أَنَّ المَيِّتَ إِذَا دُفِنَ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ فَيَسْتَحِبُّ لِصَاحِبٍِ الأَرْضِ تَرَكَ المَيِّتَ فِي قَبْرِهِ حَتَّى يُبْلِى، بَلْ صَرَّحَ الشافِعيُّ وَأَبَوْ المَعَالِي بِكَرَاهَةٍِ نَبَشَهِ وَالحَالَةُ هَذِهِ، فَإِنْ أَبَى صَاحِبُ الأَرْضِ إِلَّا إِخْرَاجَهُ فَاِتَّفَقَ فَُقهاءُ الحَنَفِيِّةُ وَالمَالِكِيَّة وَ الشافِعيةِ وَ الحنابِلَةِ أَنَّ لِصَاحِبِ الأَرْضِ نَبَشَ القَبْرِ وَإِخْرَاجَ المَيِّتِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الدَّفْنَ فِي مُلْكِ الغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِ رَبِّهِ مُحَرَّمٌ. [٢٩]

فَالشَّيْخُ الوَحِيدُ إِنَّمَا يَسِيرُ وِفْقَ الإِلْزَامِ العِلْمِيِّ فِي المُنَاظَرَةِ مِنْ بَابٍ أَلْزَمُوهُمْ بِمَا أَلْزَمُوا بِهِ أَنْفُسَهُمْ وَالَا فَالقَوْلُ بنَبْشِ قَبْرِ الشَّيْخَيْنِ وَفْقَ هَذِهِ الظُّرُوفِ المُحْتَدِمَةِ قَوْلٌ شَدِيدُ الخَطَرِ عَظِيمُ الضَّرَرِ عَلَى المُسْلِمِينَ قاطِبةْ ومَنْ ادَّعى أنَّ الشيخَ الوحِيدَ قدْ أفْتى بوجُوبٍ بِنحوٍ فَتْوائِيٍ النبْشَ أو حَكَمَ بذلِكَ أو دعا الجماهِيرَ إلى التَّهْيِيجِ الطَّائِفِي والقِيامِ به فَهو كاذِبٌ مُفترٍ يُحَمِّلُ الكَلامَ ما لا يَحْتَمِلُ ودُونَكُمُ التسْجِيلُ فاسْتَمِعوا إليه.

🔴🔴🔴🔴🔴

الخَاتِمَةُ:

إِنَّ النَّفْسَ تُصَابُ بِالأَمْرَاضِ كَمَا يُصَابُ بِهَا البَدَنُ وَ مِنْ أخْطِرُهَا النَّفْعِيةُ وَالاِزْدِوَاجِيَّةُ الَّتِي تُسَيِّرُ الإِنْسَانَ خَلْفَ مَصَالِحِهِ وَشَهَوَاتِهِ وَتَعْمِيهِ عَنْ المَسْلَكِ الحَقِّ حَتّى إِذَا شَرِبَ الفَسَاد وَتَشَبَّعَ بِالبَاطِلِ لَمْ يَبْصَرْ لِلرَّجْعَةِ طَرِيقًا فَتَّرَاهُ يَتَقَمَّصُ أَدْوَاراً لَا يُجِيدُهَا وَيَلبِسُ ثِيَاباً لَا تُنَاسَبُ مَقَاسُهُ، لَكِنَّهَا الآفَةُ السَّابِقَةُ وَاللَّاحِقَةُ فِي تَقْدِيم مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ وَ تبؤهِ مَقْعَدَ مَنْ هُوَ أَكَفَأَ مِنْهُ حَتَّى تَرْجَمَهَا الشَّاعِرُ فِي أَبْيَاتِهِ الحَزِينَةَ:

مَا خِلْتُ أنَّ الدهرَ مِن عادَاتِهِ

تُروى الكِلابُ بِهِ ويَظْمى الضيغَمُ

وَيُقَدَّمُ الأُمَوِيُّ وَهُوَ مُؤَخَّرٌ

وَ يُؤَخَّرُ الٌعَلَوِِيُّ وَهُوَ مُقَدَّمُ

مِثْلُ اِبْنِ فَاطِمَةٍ يَبِيتُ مُشَرَّدًا

وَيَزِيدُ فِي لَذَّاتِهِ مُتَنَعِّمُ. [٣٠]

وَ الأعجبُ وَ الأغربُ هُوَ رَفْعُ بعْضِهِم شِعَارَاتِ الاِنْفِتَاحِ وَالتَّنْوِيرِ وَاِحْتِرَامِ الرَّأْيِ الآخَر وَمَدِّ اليَدِ بِالتَّعَايُشِ مَعَ مَنْ يَخْتَلِفُ مَعَهُمْ مُتقنِعينَ بِالتَّسَامُحِ وَالطِّيبِ وَالعَفَوِيَّةِ والإِنسانِية وَمَا أَنْ تَلُوح عَلَى الأُفْقِ بَوَادِرُ الاِخْتِلَافِ مَعَهُمْ فِي الرَّأْيِ وَالتَّبَايُنِ فِي التَّشْخِيصِ وَالتَّقْيِيمِ حَتَّى يَنْهَالُ عَلَيْكَ وَابِلُ السِّبَابِ وَالشَّتَائِم وَيُمَارِسُ اِتِّجَاهُكَ التَّسْقِيط الَّذِي يَدْعُونَ مُحَارَبَتَهُ وَالإِقْصَاءَ الَّذِي يَنْصِبُونَ المَآتِم وَ المناحات فِي رَفْضِهِ فَيَرِمُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ بِالنِّفَاقِ وَالرَّجْعِيَّةِ وَالتَّخَلُّفِ وَالعِمَالَةِ والجَهْلِ وَالحَسَدِ وَالحِقْدِ وَالمُزَايَدَةِ وَالهَمَجِيَّةِ والخُرافَةِ والعَقْلِياتِ العَفِنَة وَيَتَحَوَّلُ ذَاكَ الخِطَابُ الوَدِيعُ اللَّطِيفُ إِلَى صِيغَة المُخَاطَب يا مُرْتَزِقَة يَا مُغْفَلِينَ يا مُخَرِّفِين فَيُمَارِسُونَ الوِصَايَةَ وَالحَجَرَ والتَّسْقِيطَ فِي أَبْشَعِ صُوَرِهْ.

وَلَا نَمْلِك إِلَّا أَنْ نَرْفَعَ أَيْدِينَا بِالدُّعَاءِ أَنْ يَحْفَظَ المُسْلِمِينَ فِي مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا وَأَنَّ يَرُدّ كَيْدَ أَصْحَابِ الفِتَنِ وَأَنْ يُدِيمَ الأَمْنَ وَالأَمَانَ والاِسْتِقْرَارَ فِي هَذِهِ البِلَاد بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَآلِه الطَّيِّبَيْنِ الطَّاهِرَيْنِ إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

في كلمة له بتاريخ Feb/22/2017
[١] خطبة معتقدات في مواجهة الأوهام
[٢] خطبة قواعد الإنضباط في حوزة قم تعري الدخيل عليها
[٣] ميزان الاعتدال ج ١ ص ٤٣٥
[٤] الوافي بالوفيات ج ١٣ ص ٨٥
[٥] رجال ابن داوود ص ٤٦٩
[٦] سير أعلام النبلاء ج ١٧ ص ٣٤٤
[٧] سير أعلام النبلاء ج ١٦ ص ٣٠٣
[٨] سير أعلام النبلاء ج ١٧ ص ٥٥٨
[٩] سير أعلام النبلاء ج ١٦ ص ٣٠٣
[١٠] رجال الشيعة في أسانيد السنة
[١١] للسيد محمد رضا الجلالي
[١٢] للشيخ محمد جواد البلاغي
[١٣] للشيخ محمد حسين كاشف الغطاء
[١٤] الشريف المرتضى
[١٥] للعلامة الحلي
[١٦] للعلامة الأميني
[١٧] للسيد المرعشي
[١٨] للشيخ جعفر السبحاني
[١٩] السيد علي الميلاني
[٢٠] للشيخ علي آل محسن
[٢١] للسيد عبد الحسين شرف الدين
[٢٢] مركز مناظرات قطر تأسس عام ٢٠٠٨
[٢٣] للسيد علي الحسيني الميلاني
[٢٤] صحيح مسلم - كتاب الإيمان حديث رقم ٧٨
[٢٥] صحيح البخاري - كتاب الإيمان حديث رقم ٤٨
[٢٦] منهاج السنة ج ٧ ص ١٣٧
[٢٧] صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة حديث رقم ٣٥١٠
[٢٨] صحيح البخاري كتاب فرض الخمس حديث وقم ٢٩٢٦
[٢٩] للمؤلف عبدالله عمر السحيباني ط ١٤٢٦ ص ٤٨٣
[٣٠] من قصيدة للسيد جعفر الحلي
التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
حسن علي احمد الحجي
[ alomran-alhasa ]: 29 / 3 / 2017م - 1:59 ص
يوجد اشتباه في المصدر الأول حيث أن معتقدات في مواجهة الأوهام هي سلسلة محاضرات للشيخ عبد الجليل البن سعد الأحسائي و الأسم الصحيح للمحاضرة المحال إليها هو و يبقى الحسين فوق الخرافات و الأوهام

و هذا الإشتباه وارد حيث أن هذا الخطيب ذكر في افتتاح هذه الخطبة حديثا قرأه بشكل غير صحيح نصا و معنى حيث قال : جهلة شيعتنا أشد علينا من جيش يزيد فلما تبين له الخطأ قام بتصحيحه في الخطبة المفرغة نصا إلى وهم أضرّ على ضعفاء شيعتنا من جيش يزيد.